أسامة الروماني… مسيرة يصعب تكرارها
«احتشاء في عضلة القلب» بهذه العبارة الصادمة، طوى الطبيب في «مستشفى دار الشفاء» الدمشقي، أمس حياة أسامة الروماني (1942- 2023)، أحد رواد المسرح السوري، إذ واكب تجاربه المزدهرة في فترتَي الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم. مسيرة حافلة بالشغف يصعب تكرارها، ليس بالنسبة إلى هذا الممثل البارز، وإنما لجيل بأكمله، أتى من عروض المسرح الجامعي إلى أهم فضاء مسرحي حينذاك.
فقد أسس رفيق الصبان إثر عودته من باريس «ندوة الفكر والفن» في دمشق، كمنصة للمسرح العالمي، مستضيفاً أعمال شكسبير، وموليير، وسوفوكليس، ولوركا. هكذا انضم الممثل الشاب إلى مجموعة من الممثلين الموهوبين أمثال هاني الروماني، ويوسف حنا، وسليم كلاس، ومنى واصف. بتأسيس «فرقة الفنون الدرامية» (1963)، التحق بأعمال هذه الفرقة التي سعت إلى تقديم أعمال مسرحية نوعية للتلفزيون، إلى أن انضم أعضاؤها إلى فرقة المسرح القومي، وكانت البصمة الأولى لفناننا مشاركته في مسرحية «مغامرة رأس المملوك جابر» لسعد الله ونوس، وسيلعب الدور نفسه في فيلم «المغامرة» للمخرج محمد شاهين. ثم سيشارك في مسرحيتي «ضيعة تشرين»، و«غربة» (محمد الماغوط، ودريد لحام) بشخصيتين لافتتين ما زالتا في الذاكرة. يذكر أنّ أبناء جيله «كانوا يموّلون عروضهم المسرحية من رواتب وظائفهم، وكانوا يتدربون على العرض المسرحي شهرين، من أجل يومَي عرض في صالة سينما يستأجرونها بنقودهم لـ «حفلة» الساعة التاسعة ليلاً، بعد نصف ساعة فقط من استلامهم لها. وعليهم خلال هذا الوقت الضيق للغاية اكتشاف المكان وحركتهم على الخشبة وفي كواليسها، وتركيب الديكور».
اقرأ أيضا:عباس النوري: أنا مش كافر
كان ظهوره الأول في التلفزيون عبر مسلسل «زقاق المايلة» (1972) للمخرج شكيب غنام، بالأبيض والأسود، وأغلق القوس موقتاً، بهجرته إلى الكويت أواخر السبعينيات للالتحاق بمؤسسة الإنتاج البرامجي وإطلاق مسلسل «افتح يا سمسم». في منتصف الثمانينيات، شارك ممثلاً في مسلسل «حمام القيشاني» بدور أديب الشيشكلي. لعل أهمية أسامة الروماني تكمن في خصوصيته كممثل في المقام الأول، إذ لم يخضع لتجسيد كاركتير ثابت على غرار آخرين، كما أنه لعب في منطقة الكوميديا والتراجيديا بمستوى واحد في الأداء، متكئاً على ثقافة موسوعية، وخبرة حياتية واسعة، فهو ابن حي الأمين الشعبي، وابن جيل ينتمي إلى القضايا الكبرى. بعد أربعين عاماً من الغياب، عاد أسامة الروماني إلى دمشق، محمّلاً بالذكريات وحدها، إذ انطفأ «مهرجان دمشق المسرحي» الذي كان شعلة عربية، وتراجع مستوى العروض المسرحية عما كانت عليه، وغابت ثقافة الممثل، وهيمنت على الساحة الدراما التلفزيونية وحدها، فعاد للمشاركة في بعض الأدوار التي لم تضف إلى مجده بوصةً واحدة من ألقه القديم، وبدا كما لو أنه من خارج الكادر، إذ اختلفت المقاييس والمفاتيح والمفاهيم، لكنه سيظهر في أعمال عدة مثل «كسر عضم»، و«مربى العز» بشخصيات تراوح مكانها، وحتى بدور ثانوي في مسلسل «صبايا»! على الأرجح، فإن أسامة الروماني، بظهوره الأخير، كان يفتّش عن ذاته التائهة وسط ركام اليوم، وعن حنين إلى الأضواء، وألفة الأمس..