Uncategorizedتقارير خاصةعبي بالخرج

الأداء الحكومي السوري الهزيل – جردة حساب صريحة في نهاية العام-

لا يختلف اثنان على أن عام 2020 كان عاماً يرغب كثير من أبناء المعمورة نسيانه و حذفه إن أمكن من ذاكرتهم، لأنه حمل لهم الكثير من الويلات وجلب إليهم فيضاً من الكوارث التي لم يسلم منها أحد. ولعل وقع تبعات العام المؤلم وضرباته الموجعة لم تسلم منها حكومات العالم التي ترنحت تحت ضربات سياط وباء كورونا الذي قدّ مضاجع أغنى حكومات العالم وأكثرها تطوراً، وأضر بمصالحها الاقتصادية ورتب على أغلبها ديون ضخمة، ذكرت كثير من حكومات هذه الدول بالأزمات التي شهدتها الدول إبان الحربين العالميتين. لا يهمنا ما حدث ويحدث وسوف يحدث لاقتصادات الدول، وإن كان ما حدث وسيحدث سيؤثر علينا في سوريا باعتبارنا جزء من العالم (بغض النظر عن بعض التصريحات الحماسية التي تحاول ألا تعترف بذلك). سنحاول في الأسطر القادمة الإشارة إلى ما قامت به الحكومة خلال العام الماضي والإضاءة على بعض الملاحظات والإنجازات التي تذخر بالإخفاقات.

 

في البداية، لا شك أن العام 2020 كان صعباً، وهذا يمكن أن يوضع إلى جانب الحكومة في دفاعها عن أية إخفاق أو نتيجة نراها لم تكن في محلها، وهذا حق للحكومة، نتفق معها منذ البداية بأن العام لم يكن سهلاً ولكن هذا لا يبرر ما نريد أن نذكره والإشارة عليه (أقله من وجهة نظر المواطن، صاحب الحق الأول والأخير في التقييم والمعني الأول بأداء الحكومة والحكم عليه). طبعاً نحن لا نقول بأن تداعيات الحرب والحصار وأزمة كورونا ليست عوامل على الأرض معيقة للعمل، نعم كلها عوامل معرقلة ولكن ثمة أمور يمكن معالجتها ولا يمكن التحجج دائماً بالأزمة والتداعيات وكأننا محكومون بالفشل المطلق.

لنبدأ بالأداء الإداري، هل ثمة علاقة غير قابلة للفصل بين الأزمة وتردي العمل الإداري في البلد؟  لا شك أن هناك حاجة كبيرة لتفعيل العمل الإداري والمساعدة في تقديم العوامل اللازمة لإنجاحه أو على الأقل وقف تردي أدائه. لا يوجد في ذاكرة الناس أي شواهد تفيد بذلك، فالعام المنصرم حمل لنا مجلس شعب جديد وحكومة جديدة ولم يلحظ الناس أي تغيير في الأداء الإداري، بل على العكس كلام الناس ومجالسهم تفوح بالإجماع على الإخفاقات الإدارية المتتالية التي برزت في طريقة معالجة أبسط الأزمات وأكثرها تأثيراً على المواطن. فأزمة الخبز بدون شك، شابها الكثير من التخبط والارتباك و كان بالإمكان معالجتها والتعامل معها بطريقة أكثر رقياً وأكثر مسؤولية.

هل شهد هذا العام أي تغيير في طريقة التعيين وانتقاء المسؤولين والمدراء (طبعا نحن نتكلم الآن عن مسؤولي الصف الرابع وليس مسؤولي الصف الثاني أو الثالث)، هل ثمة من معيار واضح تم بموجبه مصارحة الناس ومخاطبتهم عبر الإعلام بأن الحكومة تتبع نهجاً جديداً في الإدارة يقوم على معايير موحدة أساساها تكافؤ الفرص والكفاءة مثلاً، ولو كان على مستوى مدير مركز ثقافي أو رئيس بلدية أو حتى مدير تربية. طبعاً لا هذا لم يحدث على حد علمنا وإن حدث فلم يسمع به إلا من يقول بأنه حدث. إن كنا نفتقد إلى الآن إلى آلية تعيين عادلة على مستوى مدير مؤسسة أو مدير فرع فكيف لنا أن ننتظر أن نرى مديراً عاماً كفوءاً أو وزيراً مقتدراً وناجحاً بكافة المعايير ويحبه العامة ويجمعون على حسن أدائه.

الحكومة والخدمات الأساسية:

لا شك أن وزارة الكهرباء بذلت جهدها في اعتماد سياسة تقنيين عادلة، وتستحق الثناء والشكر والتبجيل باعتبارها حققت العدالة لدرجة أن غالبية المواطنين باتوا قادرين عن الاستغناء عن الكهرباء، وهم بدون شك سيتنفسون الصعداء عندما سيزداد زمن الوصل ولو ساعة واحدة. من المحزن جداً ألا نرى إنجازاً على مدى عام واحد أمام وزارة الكهرباء إلا أنها زادت التقنيين وأضحى السوريين في نهاية عام 2020 لا شبيه لهم، إذ أننا عرفنا بعد أن زاد عدد السوريين في الصومال أن الخدمات في الصومال أفضل مما هي عليه عندنا (يمكن لمن لديه أقارب يعملون في هرجيسا أن يتأكد من المعلومة).

أما بالنسبة لوزارة النفط، فلا يمكن لنا أن ننسى توقيت الصيانة غير الموفق وغير المدروس للمصافي السورية والذي خلق أزمة محروقات غير مسبوقة. طبعاً هذا الأمر كان بالإمكان استدراكه او على الأقل اختياره بعناية يمكن أن تخفف عن المواطن المثقل بالهموم بعض الضغط. هذا ليس له علاقة على الإطلاق بالأزمة فتوقيت العمرة (يمكن أن يكون مرن إلى درجة تكون تبعاتها أقلل ضرراً وهذا ما لم نره، ولم يكن من ضمن ما تفكر فيه الحكومة أو فريقها المعني بأمور المواطن).

التناغم الحكومي:

في عدة مواقف بدت بعض الوزارات تتقاذف المسؤولية فيما بينها بحجة التهرب من مسؤولية التقصير، فشهدنا عدة جولات تناوبت فيها عدة وزارات دور القط والفأر، ولا تزال التصريحات المضادة  بين وزارتي  النفط والكهرباء حاضرة في ذاكرة الكثيرين، حيث بدى كل منهما يحاول الإيحاء بان مشكلة انقطاع الكهرباء لم تكن من مهام وزارته. فالكهرباء تحتاج الوقود (الغاز والفيول) التي تستجره من وزارة النفط. وذات الشيء حدث في المشادة بين التربية والتعليم العالي (أو بدقة جامعة دمشق ممثلة بعميد كلية الطب) بخصوص جدوى إغلاق المدارس، لتبدأ حملة جدل بيزنطي شارك فيها المواطنون وتفاعلوا معها من دون أي نتيجة مفيدة. مثال آخر هو التصريحات الصادرة عن كل من  وزارتي التموين والنفط بخصوص عدم وجود خطة لزيادة أسعار الخبز (الذي كان المسؤولون يدّعون تسميته بالخط الأحمر)، والمحروقات المدعومة التي صمت آذاننا من صيحات المسؤولين بأنها تستنزف خزينة الدولة لدرجة أن المواطن في لبنان الذي يشتري الوقود بدون دعم بات يشتريه بسعر أرخص مما تبيعه وزارة التموين والنفط للمواطن السوري وبالسعر المدعوم. ولكي لا ننسى يستحضرنا تصريح وزير النفط إبان الأزمة الأخيرة وإطلالته الإعلامية الغراء التي أكد فيها أنه لا توجد نيه على الإطلاق لزيادة أسعار المحروقات، ليفاجأ الناس بعد بضعة أيام بأن هناك زيادة في الأسعار وأن السيد الوزير على ما يبدو لم يكن على علم بما يجري وسمع كما سمعنا من صفحات التواصل الاجتماعي.  

التعامل الإعلامي:

كان هذا العام عاماً متعباً للإعلاميين السوريين، رغم تسجيل بعض النقط الإيجابية لدعم العمل الإعلامي والصحفي في سوريا، إلا أن الجهود لم تكتمل ولم تنضج كلياً.  حيث سجل موقف طيب لوزير الإعلام عندما تدخل في قضية اعتقال زميلين صحفيين قد تم توقيفهما بدون وجه حق إثر تناولهما قضايا وتحقيقات بشبهات فساد لبعض المتنفذين. إذ كان لوزير الإعلام تصريح (إثر توقيف الزميل كنان وقاف) وعد فيه بأنه لن يتم اعتقال أي صحفي دون العودة إليه أو لاتحاد الصحفيين عملاً بقانون الإعلام الذي يعطي بعض الحصانة للإعلامي ويحميه من التوقيف على زمة التحقيق مع مرتكبي الجرائم والجنح. كان لتصريح الوزير ارتياح من قبل الإعلاميين إلا ان هذا لم يكتمل وخصوصاً بعد توقيف زميل آخر بعد شهرين تقريباً من التصريح. كان الإعلاميون يأملون أن يكون هذا العام عام الانتصار للإعلامي السوري وعام تمكنه من الحصول على الحصانة التي تحميه من التوقيف التعسفي بما يعزز دوره المسؤول والموضوعي في الإشارة إلى مكامن الخطأ والفساد.

الوضع الاقتصادي:

بدون أية منافسة، العام الأسوأ -اقتصادياً – للسوريين منذ بداية الأزمة، فالقوة الشرائية أضحت واهية، والأسعار نار حامية. الموظفون في حال يرثى لها، فما يتقاضونه في آخر الشهر لا يكفي إلا لبضعة أيام. وقيمة الليرة توالت تدهورها أمام العملات الأجنبية، لدرجة أن مرتب وتعويض الوزير الشهري لا يصل إلى أجرة الحد الأدنى اليومي للأجور في أي دولة متقدمة.   حال السوريين الاقتصادية لم تقتصر على الأجور الزهدة، بل تعدتها لتشمل ما اصطلح على تسميته عدالة الدعم، والذي قدم للمواطنين على شكل بطاقة أطلق عليها ذكية، ولتبدأ معها عملية معاناة كبيرة للسوريين الذي تمحورت جل أحاديثهم وكل نقاشاتهم  حول الإنجاز الأعظم وهو البطاقة الذكية التي يليق بها أية تسمية إلا الذكية. لا شك بأن الباب الاقتصادي إن فُتح سيصعب تسكيره لأن الناس ملت من الكلام واعتادت الآلام. لم يعد لدى كثير منهم أية أحلام ولا آمال بشيء مشرق، فثقتهم بالمسؤول أصبحت سراباً، و الأمل بغدٍ مشرق لم يعد له مكان.

فيما يتعلق بالوضع الصحي و الاجتماعي والتعليمي والتربوي والثقافي فلن يكون إلا انعكاساً لأحوال الناس البائسة، فالمشاكل الاجتماعية على سبيل المثال لم تقف عند زيادة حالات العنوسة والعزوف عن الزواج وارتفاع حالات الطلاق بل تعدتها لتشمل الجرائم البشعة التي كنا نسمعها اسبوعياً والتي يجمع الكثيرون بأنها لم تكن يوماً بهذه الغزارة في مجتمعاتنا على مر السنين من عمر سوريا الحديثة.

لم يرتق العمل الحكومي  إلى مستوى تطلعات المواطنين، لقد نالت الحكومة نصيبها من النقد وصفحات التواصل الاجتماعي تضج بالتعليقات والأنيين فيما يخص الخدمات التي تقدمها الحكومة وطريقة تعاطيها الغريبة مع كثير من التفاصيل والقضايا. لا شك أن الحكومة في موقف لا تحسد عليه في ظل غياب الإمكانيات وظروف الحصار وجائحة كرورنا، إلا أن كل هذا لا يبرر الحال الذي وصلنا إليه، وسياسة الاستهتار الذي يبدو أنها نهج الحكومة الحالية. غياب ثقة الناس بالعمل الحكومي، وضياع أيه آمال بتحسن مرتقب تتحمل مسؤوليته الحكومة التي يجب أن تخرج للناس وتصارحهم وتعترف أمامهم بالمشاكل والصعوبات بشفافية مطلقة ، وتقول ما عليها وتعترف بتقصيرها قبل أن تخاطب الناس بما أنجرته. الناس أحوج ما تكون في هذه الأيام إلى عقد جديد يعيد لهم أملهم المفقود، وهذا لن يكون إلا بحكومة تستمع للناس، وتخطب ودهم، وتسمع أنينهم، تعيش معهم، تعتذر منهم، وتشاركهم كل تفاصيل حياتهم، وتعمل لأجلهم بدون منة. الناس وبروح رياضية وبكل محبة بحاجة إلى حكومة تعي بأن بقاءها واستمراريتها رهن برضى الناس وسعادتهم وحياتهم الحرة الكريمة.

A2Zsyria

Visited 21 times, 1 visit(s) today