التربية والأهل وتقاسم مسؤولية الجريمة التي اقترفها المراهقون الخمسة في اللاذقية
اللاذقية
ما تردد على ألسنة الناس وتناوقلته عدة صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي في اللاذقية الأسبوع الماضي محزن جداً ويفوق القدرة على الوصف عندما أشاروا إلى إقدام خمسة مراهقين في مقتبل العمر ممن يستعدون للتقدم لامتحان الشهادة الثانوية على خطف شاب بعمر ال 13 عام، بغية ابتزاز أهله ودفعهم لدفع فدية مالية لشراء ذمم المراقبين لتطور القضية بقيام الخاطفين بارتكاب جريمة مروعة و قتل الطفل. يا للكارثة و يا لهول الفاجعة !!! . أي حال وصل إليه ما نسمعه، وأية مبررات نسمعها وأي جهة نلومها ومع من نبكي ؟
نعم لقد فجعت عائلة الطفل البريء بجريمة لن يعوضهم أحد خسارتهم لفقيدهم الغالي (رحمة الله الواسعة عليه والصبر والسلوان والعزاء لوالديه وأخوته ومحبيه)، أي مصيبة حلت بهم ومن يمكن أن يهدئ روعهم ويخفف حزنهم ويقدر على مواساتهم غير الزمن الذي سيكون وقعه مختلفاً، كيف لا و مصابهم جلل وخطبهم عظيم.
وأية مشكلة حلت بهؤلاء المراهقين الذين مُسحت عقولهم غرابة وحُشيت جهلاً، وكيف لأهلهم أن يستوعبوا الصدمة وما عساهم فعله بعد أن طمى خطبهم حتى صارت سيرة أولادهم على كل لسان وبلغ الأمر ما بلغه حتى أودت أفعالهم بحياة طفل بريء لتسجل بحفهم جريمة شنيعة لن تفارقهم ما بقوا أحياء.
سيكون للتحقيق كلمته وسنسمع الكثير من الروايات في هذه الخصوص، وسنرى العجب العجاب ربما، إلى الآن أغلب التسريبات تشير إلى أن مسوغات ما قام به الشبان الخمس هي بدافع تحسين ما يمكن أن يحصلوا عليه في امتحان البكلوريا. هذا الأمر بالتأكيد يطرح أسئلة بحاجة لإجابة أو على الأقل لتوضيح أو إضاءة بغية الاستفادة منها.
إنها ليست المرة الاولى التي نسمع بها عن إجراء قام به مراهق أو مراهقة بسبب الامتحانات العامة، كأن يقدم شاب او شابة في ريعان العمر على الانتحار بسبب اعتقاده بأن كان مقصراً أو أن الدرجات التي سيحصل عليها قد لا ترضي ذويه. صحيح أن من حق كل الاهالي تشجيع أبنائهم على المثابرة وتحفيزهم على الدراسة طمعاً بالحصول على مستقبل أفضل، ولكن ما نراه وما نسمعه من منافسة أقل ما يقال عنها أنها تحرق الطلاب وتزرع فيهم الأنانية والانتهازية. حيث أن الأهالي يلعبون دوراً سلبياً في تعزيز نزعة الأنا وغرس عقلية الأول والأشطر والأذكى بطريقة غير سوية، لتأتي بنتائج كارثية في بعض الأحيان. بعض النتائج قد لا تكون الآن، وقت لا تكون جريمة، إذ أن كثير منا يشاهد بعضاً ممن تميز بوضعه التدريسي يبدو وكأنه منفصل عن الواقع بزهوه غير المبرر وأحياناً بعنجهية قد تسيء للكثيرين (طبعاً هذه العينة موجودة، ووجودهم لا يعني أن من كل من تميز ينتابه الغرور، هناك الكثير ممن تميزوا متواضعون ومحبون وقريبون من العامة ولا يُشعرون جوارهم ومحدثيهم بأنهم يختلفون عنهم).
لا شك أن الفرص المحدودة ساهمت في تعزيز التنافس وبعض التنافس جيد وشريف وضروري ولكن ليس بهذه الطريقة الحارقة. بالعودة إلى المأساة التي حصلت في اللاذقية، إن للتربية وطريقة التقييم والامتحانات دوراً لا يمكن نكرانه كمحرض غير مباشر في مثل هكذا تصرفات غير مسؤولة. ولو ان هذا الامر حدث في دولة يُشهد لها احترامها لمواطنيها لكانت اجتمعت الحكومة لتدارس هكذا كارثة وفاجعة. لن نتكلم عن واقع الحال المؤلم لنا جميعاً، ولكن ما ذكر من أن الشباب المغرر بهم قاموا بجريمتهم بقصد الحصول على المال لاستخدامه في رشوة المراقبين يستحق أن تشكل له لجنة حكومية للتحقيق والمتابعة. إن ثمة شيء من هذا فيجب على التربية أن تعترف بذلك بجرأة وتحاسب من يجب محاسبته. لن نطلب من التربية أكث من طاقتها ومقدرتها فكلنا أعلم بحال البلد ولكن ما حدث يوضح بجلاء ليس فشل التربية والتعليم من جانب المدرسة ممثلة بوزارة التربية فحسب بل أيضاً فشل التربية الاسرية والاجتماعية الممثلة بالأسرة والسلوكيات الاجتماعية الغبية التي قد تجبر على هكذا تصرفات بعيدة عن مجتمعاتنا.
حب الحياة وتعزيز مفهوم المشاركة واجب على وزارة التربية تجاه التلاميذ والأهالي والحكومة، ويجب أن تأخد على عاتقها مسؤولية تعزيز فكرة أن النجاح ليس بالدرجات العالية فحسب وأن الوطن بحاجة للطبيب كحاجته للمزارع وأن المهندس لايمكن أن يكون اكثر عطاء من عمل البلدية ولا المدرس الجامعي أكثر احتراماً من الفني، هذا الأمر ملح وضروري ويجب أن يتم لحظه في خطط التربية القادمة واعتماده بأقصى سرعة، لأنه يحتاج إلى عقود وأجيال لكي تظهر نتائجة والبداية اليوم أفضل من البداية في العقد القادم.
ما حدث فاجعة بكل المقاييس واليوم وزارة التربية والحكومة والأهل يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم و يستفيدوا من التجربة المريرة لما حدث والحيلولة دون تكرارها أبداً. نسأل الله الطف والرحمة للطفل البريء والصبر والسلوان لأهله ومحبيه.
تنويه: إن الحادثة أعلاه والتي تناقلتها عدة صفحات وكانت على ألسنة الكثير من أبناء اللاذقية، إن كانت غير دقيقة أو حدثت من مدة طويلة أو أن من تناقلها من الناس وأشار إليها يهدف إلى إلقاء الضوء إلى جوانب معينة أو له غايات معينة فهذا لا يعني أنها لا يمكن ان تحدث. إن العبر تقتضي ليس فقط في الاستفادة من الأخطاء التي نقع بها إنا أيضاً تفادي وقوع حوادث كهذه عن طريق التوعية والعبر الاستباقية. إن القراءة أعلاه، ليست إلا في وارد القول بأن المسؤولية في التربية والتعامل مع الجيل والمستقبل تحتاج إلى وعي ومتابعة ومسؤولية وتعاون من قبل التربية والأهل والمجتمع، فكلنا نتحمل مسؤولية ما يمكن أن يتسبب به الشباب وما يمكن أن نسببه لهم. حمى الله سوريا وشبابها واهلها ومحبيها من كل مكروه، نسأل الله اللطف والخير للبلد.
A2ZSYRIA