المقاتلون الأجانب في سوريا … تفاصيل عن أعدادهم وجنسياتهم ومصيرهم
أصبحت مشكلة المقاتلين الأجانب في سوريا بعد مشاركتهم في إسقاط نظام الأسد شهر ديسمبر/كانون الأول 2024 واحدة من التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة في دمشق.
وباتت الآراء تتضارب بين الدعوة لدمجهم في المجتمع المحلي ودعوات لرفض منحهم أي صفة رسمية داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية في سوريا خصوصا بعد أن أصدرت وزارة الدفاع قرارا بمنح رتب عسكرية لبعضهم ضمن توجه الإدارة الجديدة،باعتبار أن هؤلاء ضحوا من أجل تحرير الشعب السوري وهم ملتزمون بسياسات الإدارة الجديدة وهم على درجة كبيرة من الوعي وأعدادهم قليلة لا يمكن أن تؤثر على تركيبة المؤسسة العسكرية مع تقديم الإدارة ضمانات بعدم تشكيلهم أي خطر على أي دولة صديقة لسوريا.
خارطة المقاتلين الأجانب في شمال غربي سوريا
تحوي “هيئة تحرير الشام” النسبة الأكبر من المقاتلين الأجانب في شمال غربي سوريا ولا توجد إحصائيات رسمية دقيقة حول عدد المقاتلين الأجانب المتبقين في شمال غربي سوريا مع “تحرير الشام”، لكن التقديرات تشير إلى أن أعدادهم نحو 2500 شخص، فضلوا البقاء معها بعد أن أعلنت “الهيئة” فك ارتباطها مع تنظيم “القاعدة” عام 2016، وفضَّلوا البقاء في صفوفها وعدم الالتحاق بتنظيم “حُرّاس الدين” الذي بات فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا.
اقرأ أيضا:استهداف أنقرة عبر «فيلق الشام»
صاحَبَ قرار بقاء المقاتلين الأجانب في صفوف “الهيئة” تحولات أيديولوجية بتبني الجهادية المحلية مع القطيعة مع فكرة القتال خارج الحدود السورية. وهؤلاء ملتزمون بسياسات الهيئة بشكل شبه كامل، والقائمة على عدم العداء لأي دولة خارج الحدود، والتركيز على محاربة النظام السوري وحلفائه داخل حدود البلاد.
من هو صاحَبَ قرار بقاء المقاتلين الأجانب في صفوف الهيئة
والمقاتلون الأجانب في سوريا ينتمون إلى جنسيات متعددة، أبرزها:
أولا، الأويغور (التركستان) من الصين، وهم من أكبر المجموعات العددية، يقدر عددهم ببضعة آلاف، معظمهم في “الهيئة”.
ثانيا، الشيشان: قادة ومقاتلون من روسيا، اشتهروا بخبرتهم القتالية.
ثالثا، العرب: من الخليج العربي، والأردن، ومصر، وتونس، والمغرب.
رابعا، الأوروبيون: من فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا وعددهم قليل جدا خصوصا أن عددا كبيرا منهم عاد إلى بلاده.
خامسا، آخرون: أوزبكستان، طاجيكستان، تركيا، وألبانيا، مع وجود أعداد صغيرة من جنسيات أخرى.
اقرأ أيضا:احتدام التنافس على سوريا بين أجندات الخارج والداخل
والمقاتلون الأجانب في صفوف “الهيئة” كانوا موزعين على الألوية والمجموعات إما على أساس غير عرقي كالمصريين وهم أفراد ليس لهم كتائب مستقلة، والأوروبيين حالهم حال المصريين، أو على أساس عرقي كالشيشان “أجناد القوقاز” وعددهم 150، والأوزبك والتركستان وعددهم 1500 مقاتل، وغيرهم. و”الجزراوية” الذين يعملون في الجانب الدعوي والإنساني بشكل مستقل وعددهم لا يتجاوز 200 شخص. وهناك “أنصار التوحيد” وهم فصيل عبارة عن خليط من المقاتلين المحليين وهم الأكثر، والمقاتلين الأجانب ولا يتجاوز عددهم في العموم 800 مقاتل.
إخراج المقاتلين الأجانب من الفصائل المستقلة ووضعهم تحت قيادة موحدة هل ستنفذ الخطة؟
ومع بدأ تشكيل وزارة الدفاع بعد سقوط نظام الأسد بدأت الوزارة توزيعهم على الفرق العسكرية المشكلة ضمن الجيش السوري، وهم:
-“الحزب الإسلامي التركستاني”: قائد الفصيل أبو محمد التركستاني، العدد التقديري لعناصره 2,500
– “أنصار التوحيد”: قائد الفصيل أبو دياب سرمين، العدد التقديري لعناصره 200
– “أجناد القوقاز”: قائد الفصيل مسلم الشيشاني، العدد التقديري لعناصره 250
– “الشيشان” (أجناد الشام): قائد الفصيل أبو عبد المالك الشيشاني، العدد التقديري لعناصره 300
كيف تتعامل معهم الإدارة الجديدة في دمشق؟
في تصريحات سابقة، أكد الرئيس أحمد الشرع أن المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في الإطاحة بنظام الأسد “يستحقون المكافأة”.وأوضح الشرع، في لقاء مع صحافيين منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أن جرائم نظام الأسد أدت إلى الاعتماد على مقاتلين أجانب يستحقون المكافأة على مساندة الشعب السوري، بعدما شاركوا في الثورة وساهموا في إسقاط النظام، ملمحا إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية.
وعليه تسعى الإدارة السورية لدمج المقاتلين في الجيش السوريالجديد وهناك خطط لتفعيل مؤسسات الدولة تشمل إخراج المقاتلين الأجانب من الفصائل المستقلة ووضعهم تحت قيادة موحدة.
وأعلنت الإدارة السورية الجديدة عن تعيين عدد من المقاتلين الأجانب في مناصب عسكرية عليا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بالإضافة لخمسين قياديا في إدارة العمليات العسكرية.
ويبرز من قرار ترفيع الرتب أسماء كل من عبدل بشاري (خطاب الألباني) وهو ألباني الجنسية ويقود منذ سنوات “جماعة الألبان”، وعمر محمد جفتشي (مختار التركي)، والمصري علاء محمد عبد الباقي، وعبد العزيز داوود خدابردي الذي ينحدر من الأقلية التركستانية.
دمشق لديها ثلاثة “خطوط حمراء” بالنسبة للمقاتلين الأجانب
ويضاف إليهم أيضا مولان ترسون عبد الصمد، وهو طاجيكي الجنسية، وعبد الرحمن حسين الخطيب الذي منح رتبة عميد، ويقال إنه أردني الجنسية، فضلا عن “ذو القرنين” زنور البصر عبد الحميد، الملقب بعبد الله الداغستاني، وهو قائد “جيش المهاجرين والأنصار”.
السيناريوهات المحتملة لمصير المقاتلين الأجانب في سوريا
يبدو أننا أمام أربعة سيناريوهات محتملة لتحديد مصير المقاتلين الأجانب في سوريا، لكن لا يعني أن سيناريو واحدا من هذه السيناريوهات سيتحقق، بل ربما تتحقق كل هذه السيناريوهات تبعا للظروف القادمة ولشرائح المقاتلين الأجانب واختلافاتهم الأيديولوجية واختلاف جنسياتهم.
الأول: السيناريو البوسني.. الدمج والتوطين
أن يتم دمج هؤلاء المقاتلين ضمن المجتمع السوري وقبولهم كمواطنين عاديين مع شرط عدم ممارستهم لأي تهديد خارج حدود الدولة السورية وعدم تجاوزهم على المجتمع المدني السوري والالتزام بالنظام والقانون السوري وعدم تشكيل تنظيمات داخل الدولة السورية.
الثاني: السيناريو الأفغاني.. عودة كل مواطن إلى بلده
أن تقبل الدول المصدرة للمقاتلين الأجانب بعودة هؤلاء مع عوائلهم إلى أوطانهم وتعمل على إعادة استيعابهم ودمجهم ضمن مجتمعاتهم حتى يتحولوا إلى مواطنين عاديين، وهذا يمكن أن يكون حلا في بعض الدول التي تمتلك برامج لتأهيل مثل هؤلاء أما في حالة الدول الأمنية فإن مصيرهم سيكون إلى المعتقلات والسجون.
الثالث: منح اللجوء السياسي بشرط عدم النشاط
هو أن تقوم دولة ما لها مصلحة في جمع داتا وقاعدة بيانات عن الجهاديين بإعطاء لجوء سياسي لشريحة من الجهاديين الرافضين للعودة إلى بلدانهم بسبب التعاطي الأمني مع ملفهم وممن لا يشكلون خطرا أمنيا عليها بحيث يتعهدون بعدم ممارسة أي نشاط جهادي.
الرابع: السيناريو العراقي.. الانتقال إلى ساحة قتالية أخرى لمتابعة النشاط
تشير بعض التقارير إلى أن مجموعات مقاتلة شيشانية بدأت بالخروج من شمال غربي سوريا وهي المناطق التي كانت تسيطر عليها “الهيئة”، حيث انتقل في عام 2023 عدد كبير قدر بـ170 مقاتلا من فصيل “أجناد القوقاز” بقيادة عبد الحكيم الشيشاني للقتال في أوكرانيا ضد القوات الروسية وضد قوات الحكومة الشيشانية بقيادة الزعيم الشيشاتي رمضان قاديروف، لكن مع سقوط النظام واستقرار سوريا يمكن أن يكون هناك تفاهم مع الدول التي ينتمي لها المقاتلون الأجانب وهنا يمكن أن تكون هناك مقاربة خاصة مع كل دولة على حدة.
إن سياسة الإدارة السورية مع المقاتلين وضبطهم ضمن صفوف الجيش ليست بدعة دون مثال سابق، فقد لعب المقاتلون الأجانب أدوارا محورية في صراعات مختلفة على مرّ التاريخ، وتم في كثير من الأحيان الاعتراف بمساهماتهم ومنحهم رتبا عسكرية.
ومن أبرز الأمثلة الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865) حيث شكل المقاتلون الأجانب نسبة كبيرة من قوات الاتحاد، فكان 25-33 في المئة من الجنود مولودين في الخارج.
والحرب الأهلية الإسبانية حيث شاركت الألوية الدولية، التي ضمت متطوعين أجانب، في دعم الجمهورية الإسبانية في ثلاثينات القرن الماضي، ومُنحت رتب عسكرية للكثير منهم بناء على خبراتهم. والفيلق الأجنبي الفرنسي الذي تأسس عام 1830، ويُعد من أبرز الأمثلة على دمج الجنود الأجانب في تشكيل عسكري نظامي، مع منحهم فرصا للترقية والاعتراف.
في المقابل، فإن دمشق لديها ثلاثة “خطوط حمراء” بالنسبة للمقاتلين الأجانب، منها عدم تسليمهم إلا بمبرر قانوني وعدم السماح لهم ببناء تنظيمات خاصة خارج سيطرة الدولة وعدم السماح بقيامهم بأي نشاط يستهدف أمن الدول الصديقة.
المجلة
صفحة الفيس بوك :https://www.facebook.com/narampress