اخترنا لكمعرب وغربمواضيع ساخنة

دمشق تُجدّد «رخصة المعابر»

بعد جدل واسع، وصراع سياسي دفع موسكو إلى استعمال حق النقض (الفيتو) للمرّة الثامنة عشرة في ما يتعلّق بالحرب السورية، أنهت دمشق أزمة المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، بقرار سيادي مؤلّف من شقَّين: يتعلّق الأول بريف حلب الشمالي، والآخر بإدلب. وتشكّل الأخيرة الملفّ الأكثر حساسية بالنسبة إلى سوريا في ظلّ سيطرة «هيئة تحرير الشام» (الفرع السابق لتنظيم القاعدة) عليها، فضلاً عن ارتباطها بسلسلة من التغييرات الميدانية والسياسية وحتى الاقتصادية ضمن مسار «أستانا» الذي تقوده روسيا، ويضمن لدول محيطة بسوريا أبرزها الأردن مصادر دخل متوقّفة منذ أكثر من عقد.

وفي ظلّ تفاقم الأوضاع الإنسانية في الشمال السوري الخارج عن سيطرة الحكومة، والعجز عن الخروج باتفاق تحت قبّة مجلس الأمن، قدّمت دمشق، وبقرار سيادي، رخصة جديدة للمنظمات الأممية، تسمح بتمرير المساعدات لمدّة ثلاثة أشهر إضافية عبر معبرَي باب السلامة والراعي في ريف حلب. ويأتي هذا القرار بعد قرارين سابقين أصدرتهما دمشق عقب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، ووسّعت من خلالهما منافذ إدخال المساعدات والتي كانت محصورة بمعبر باب الهوى حينها. وبينما تُعَدّ هذه القرارات مرحلية، تطالب دمشق بقرار أممي يضمن تقديم دعم حقيقي لمشاريع التعافي المبكر التي تفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين، ضمن خطّة سورية – روسية ينخرط فيها الأردن ولبنان، تهدف في النهاية إلى سحب الملفّ الإنساني من طاولة الضغوط السياسية.

اقرا أيضا:المعابر الحدودية السورية تغلي

الرخصة الجديدة التي قدّمتها دمشق، والتي تنتهي في الثالث عشر من تشرين الثاني المقبل، والتي لم تفصح دمشق أو الأمم المتحدة عن كامل بنودها، تضمّنت، وفق بيان أصدرته الأخيرة، إشارة غير مباشرة إلى استمرار إدخال المساعدات عبر خطوط التماس (من مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى الشمال الخارج عن سيطرتها) عبر سرمدا وسراقب. وكانت أثارت هذه النقطة جدلاً واسعاً في أروقة مجلس الأمن في خلال العام الماضي، في ظلّ عدم الالتزام بمضمون القرار الذي صاغته روسيا حينها، والذي يقضي بزيادة كمية المسَاعدات المرسلة عبر الحدود، ويهدف إلى تثبيت معابر مفتوحة تسهّل حركة عودة اللاجئين مع مرور الوقت، في مسعى لإزالة الحدود الوهمية التي ترسّخها آلية إدخال المعونات عبر الحدود بعيداً عن دمشق.

من جهته، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان، «بموافقة دمشق على توصيل المساعدة عبر خطوط الصراع داخل سوريا في سرمدا وسراقب خلال الأشهر الستة القادمة». وفي وقت لاحق، نشر موقع الأمم المتحدة خبراً يتعلّق بتفاهمات بينها وبين الحكومة السورية تسمح بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى لمدّة ستة أشهر. وفي السياق، أوضح نائب المتحدث باسم الأمين العام، فرحان حق، أن هذا التفاهم أجراه وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، مع دمشق، قائلاً إن هذه الخطوة تسمح للمنظمة الدولية وشركائها بمواصلة تقديم المساعدة الإنسانية عبر الحدود، بالحجم اللازم وبطريقة تحمي الاستقلال التشغيلي للأمم المتحدة. على أن حق لم يقدّم أيّ توضيحات بشأن شروط سابقة أعلنتها دمشق، تقضي بإشراف منظمتَي «الهلال السوري» و«الصليب الأحمر» على عمليات إدخال المساعدات، لضمان عدم وقوعها بيد «التنظيمات الإرهابية»، وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» التي تتمتّع بعلاقات وطيدة مع تركيا، وعلاقات استخباراتية وثيقة مع الولايات المتحدة وشركائها في «التحالف الدولي».

اقرأ أيضا:هذا ما سيقدمه العرب لسورية

وفي هذا السياق، تمثّل إدلب التي تضمّ معبر باب الهوى، أكبر المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا، إحدى أكثر المناطق تعقيداً في الحرب السورية، سواءً بسبب تمركز فصائل «جهادية» كثيرة فيها، أو بسبب موقعها الجغرافي، الذي يحتضن طرقاً دولية عدّة، على رأسها الطريق الذي يصل حلب باللاذقية (M4)، والطريق الدولي الذي يصل معبر باب الهوى في الشمال السوري بالأردن جنوباً. وبينما كانت تمرّ عبر الطريق الأخير البضائع نحو دول الخليج مروراً بالأردن، موفّرةً مصادر دخل لسوريا والأردن انقطعت خلال الحرب، كما لتركيا بوابة سريعة لتصدير البضائع إلى دول الخليج، وللأخيرة طريقاً نحو تركيا وأوروبا، فإن هذه الحيثيات توضح أهمية وضع بند فتح هذا الطريق على رأس الخريطة الروسية للتطبيع بين دمشق وأنقرة، والتي لم تنتقل حتى الآن إلى مرحلة التطبيق العملي، في ظلّ إصرار دمشق على أن يكون الانسحاب التركي من سوريا الهدف المعلن للتطبيع وفق جدول زمني محدد، ومراوغة تركيا ورفضها إخراج قواتها في المقابل. وتُضاف إلى تعقيد هذا الملف، إعادة أنقرة تموضعها في منطقة أكثر قرباً من المعسكر الأميركي، في تكتيك معتاد لدى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي قفز خلال الحرب السورية بين المعسكرين الروسي والأميركي مرات عدّة.

في كلّ الأحوال، وبعيداً من عدم وضوح نقاط كثيرة في تفاصيل الاتفاق المُبرم بين دمشق والأمم المتحدة، ينهي القرار السيادي الذي أصدرته الأولى، أو يؤجّل على أقل تقدير، صراعاً سياسياً محتدماً في أروقة مجلس الأمن، ويفتح الباب أمام تدفق المساعدات إلى محتاجيها الذين يعيشون في مخيّمات عشوائية قرب الحدود التركية. أيضاً، يؤكد القرار سيادة دمشق على كامل أراضيها، ما يمكن أن يرسّخ لاحقاً نزعَ الملف الإنساني عن طاولة الصراع السياسي، وهي النقطة الأكثر أهمية في السياق السياسي لهذا القرار.

الأخبار اللبنانية

صفحة الفيس بوك:https://www.facebook.com/narampress/

Visited 10 times, 1 visit(s) today