دمشق ــ أنقرة: إذابة الجليد جارية
دمشق ــ أنقرة: إذابة الجليد جارية .. راكمت سنوات الحرب في سوريا، و التورط التركي الكبير فيها، مجموعة من القضايا المتشابكة والمعقّدة، في ظل انتشار عشرات المجموعات المسلحة في مناطق السيطرة التركية شمال سوريا، والدعم الأميركي الكبير للأكراد شرقاً، وتردد أنقرة في بلورة سياسة واضحة حول دمشق في الفترة الماضية.
وتسبب كل ذلك بتعثّر جولات المفاوضات بين البلدين، خلال الوساطة الروسية – الإيرانية السابقة، وأوصل الحوار بينها إلى طرق مسدودة، وسط تمسك سوريا بجملة من المبادئ، بينها انسحاب القوات التركية غير الشرعية من أراضيها، والمراوغة التركية أملاً بالتخلص من جملة من الأعباء، بينها عبء اللاجئين السوريين، من دون دفع أثمان.
دمشق ــ أنقرة: إذابة الجليد جارية
وعلى خلاف المحاولات السابقة، تبدو المبادرة الروسية – العراقية المدعومة من إيران، هذه المرة، أكثر جديّة، وأقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق خرق حقيقي في الوضع الراهن، في ظل المرونة الكبيرة التي أظهرتها دمشق في إدارة بعض الملفات، بما فيها قضية الوجود التركي، والإصرار التركي غير المسبوق على الانتقال من مرحلة العداء أو القطيعة مع سوريا إلى مرحلة التعاون بين بلدين جارين. يأتي هذا بعدما تحوّلت الحرب السورية إلى إحدى أكثر القضايا الضاغطة على أنقرة، على أصعدة عدة، السياسية منها والاقتصادية المتعلقة بالتكاليف الباهظة لوجود اللاجئين السوريين، والازدياد المطّرد في خطاب الكراهية ضد السوريين في الشارع التركي، وما يقابله من مخاطر غير مسبوقة على الوجود العسكري التركي في الشمال السوري.
التمهيد للقاء
وبعدما خرج الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكثر من مرة، معلناً رغبته في لقاء نظيره السوري، بشار الأسد، وردّ الأخير بالحديث عن عدم جدوى هذا اللقاء وفق الظروف الحالية، والإصرار على إجراء لقاءات تمهيدية تؤسس لاتفاقات تفكك الأوضاع المعقدة، دخلت التصريحات التركية حالة فتور مؤقت، في محاولة لكسب بعض النقاط قبل دخول مرحلة التفاوض. وظهر هذا الأمر بوضوح عبر المواقف المتفاوتة لمسؤولين أتراك (بينهم وزير الخارجية حاقان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر) حول ضرورة الوجود العسكري التركي في سوريا، وربط ذلك الوجود ببعض المتغيرات في سوريا، بينها الوصول إلى حلول سياسية، و إبعاد «خطر الإرهاب»، في إشارة إلى الأكراد الذين يقاتلون في صفوف «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) ويديرون «الإدارة الذاتية» في الشمال الشرقي من البلاد، بدعم أميركي.
اقرأ أيضا :الإعداد الجيد للقاء المرتقب بين أردوغان والأسد
وبالرغم من المراوغة التركية ومحاولة كسب بعض النقاط قبل الدخول رسمياً في جولات من الحوار مع الفريق السوري الذي ستوكل إليه مهمة إجراء هذه اللقاءات، بدا واضحاً أيضاً حرص أنقرة على وضع خطوط حمر في تصريحاتها لم تتجاوزها، عبر عدم شنّ أيّ هجمات إعلامية ضد دمشق، أو العودة إلى نبرات الخطاب العدائية، والميل أكثر نحو تهدئة مضبوطة تدعو إلى الحوار غير المشروط من جهة، وتربط الوجود العسكري بجملة من الملفات التي تحتاج إلى حوار لحلحلتها، من جهة أخرى. وتلك نقاط تتوافق، إلى حد ما، مع المطالب السورية الداعية إلى إجراء الحوارات والاتفاق على جملة من المبادئ التي لا يمكن المساس بها أولاً، ومحاولة معالجة الأزمات المعقدة بين البلدين وفقها.
لقاء قريب سوري تركي
وفي هذا السياق، تأتي التصريحات الأخيرة المتفائلة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حول عقد لقاء قريب على المستوى الرباعي (روسيا وتركيا وإيران وسوريا) لتحريك عجلة التطبيع بين أنقرة ودمشق، بعد تجاوز العثرات التي منيت بها الجولات السابقة، والتي استضافتها موسكو. ولم يحدد لافروف مكان عقد اللقاء، لكن الوساطة العراقية المستمرة، ودعوة رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، إلى عقد اللقاءات في بغداد، تشيران إلى أن هذه الأخيرة ربما هي التي ستستضيفها. ومع ذلك، نقلت مصادر سورية معارضة، في حديثها إلى «الأخبار»، عن مصادر تركية، أن موسكو قد تستضيف تلك اللقاءات، كون هذه المرحلة تعدّ جزءاً متقدماً من الجهد الروسي، واتفاقات خفض التصعيد التي رعتها موسكو، على أن تشكل بغداد إحدى محطات اللقاء في وقت لاحق، وخصوصاً أن المساعي الحالية تسير نحو تحويل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية إلى العاصمة العراقية.
بشكل عام، يمكن النظر إلى التطورات الأخيرة في ملف التطبيع السوري – التركي على أنها قفزة تمهيدية كبيرة، وإذابة فعّالة للجليد، تفسح المجال أكثر لإنجاح عقد اللقاءات بين البلدين، وهي لقاءات من المتوقع أن تستغرق وقتاً طويلاً وتشهد جولات عديدة لوضع أطر واضحة لحل المشكلات. وفي المقابل، من المتوقع أن تستمر واشنطن في محاولة وضع العصيّ في العجلات، أملاً بالإبقاء على الوضع الحالي، ما يفسر إصرار موسكو على التذكير بالوجود الأميركي غير الشرعي في سوريا، والدور السلبي الذي تقوم به الولايات المتحدة في كل مناسبة يجري خلالها الحديث عن التطبيع بين تركيا وسوريا.
الأخبار
صفحة الفيس بوك:https://www.facebook.com/narampress