اخترنا لكمتقارير خاصة

رسالة إلى وزير التربية اولا والشعب السوري ثانيا

دمشق..
اعتاد آباؤنا وأجدادنا على الفرح بعد صدور نتائج الامتحانات بغض النظر عن درجاتهم، وهذه الأيام برزت ظاهرة جديدة غريبة وهي الانزعاج غير المبرر بين بعض الأهالي بعد صدور نتائج الامتحانات إن لم تكن النتيجة هي العلامة التامة.
الأهل لهم دور كما للتربية والمجتمع، إذ ليس هناك مبرر يجعل شاب في مقتبل العمر على الانزعاج والاعتكاف بسبب عدم حصوله على الدرجة الكاملة. أسئلة كثيرة يجب النظر إليها والإشارة عليها والإجابة عليها ضرورية للاستفادة وتفادي هكذا ردود أفعال قد تدفع التلميذ المتفوق إلى تصرفات كارثية تؤثر على نفسيته وحضوره.

هل أن الشهادة والتحصيل العلمي أهم من الفرح واستمرارية الحياة ؟
هل أن مفتاح السعادة هو النجاح في الحصول على العلامة التامة فقط؟
هل نعيش لنُحَصل العلامات التامة التي أضحت الهدف الذي نحيا لأجله؟
هل حقاً قيمة الدرجة المطلقة أهم من فرح الجد والجدة بالتفوق ولو كان باي درجة؟
هل النجاح فقط في تحصيل الدرجات التامة؟
هل كل ما نحتاج إليه لتطوير بلدنا هو العلامة التامة؟

إذا ما طُرحت الأسئلة أعلاه على أي إنسان يعيش في مجتمع مختلف عن مجتمعاتنا سيراها غريبة وغبية كون الشهادة في مفهوم كثير من الدول المتقدمة لا تعني كما تعني في بيئاتنا ولا يمكن لها أن تبرر ولو بأي شكل من الأشكال القيام بأي إجراء خارج عن السياق المألوف ولو كان على مستوى التحفظ على التعبير عن الفرح.

من يود الحصول على الشهادة في تلك المجتمعات سيحصل عليها ومن يريد أن يدخل فرعاً في الجامعة فإنه سيناله إن رغب بذلك ولن يتطلب منه الأمر إلا الرغبة والإرادة وبعض الجدية. وإن لم يستطع أحد ما أن يحقق ما يحلو له لسبب ما، فإن الأمر برمته ليس أكثر من تجربة طويت ليتابع بعدها طريقاً قد يكون مختلفاً جزرياً ومليئاً بالنجاحات. ولن يعرف بحاله أي من محيطه لأنه لن يجد من يكترث به ويتابعه وأحياناً يعيره أو يقول له بأنه فشل في الامتحان لانه لم ينل الدرجة التامة التي نالها فلان.

يُبنى الإنسان في أغلب المجتمعات المتحضرة على حب الحياة وثقافة الفرح وتتم تنشئته على سمو ورفعة القيمة الإنسانية التي لا تعلوها قيمة. فكل تفاصيل الحياة وقوانين البلد وسياسات الحكومات يجب أن تعزز هذا المبدأ البسيط والراقي للاسف الشديد هذا ما عجزت عنه وزارة التربية والمناهج السورية والمجتمع السوري وبعض الاحيان التربية المنزلية من تجسيده وغرسه.

لقد تحول التنافس بين الأهل والتلاميذ إلى حالة من التشنج والتحريض وعزز الانانية بين التلاميذ وبين الاهل الذين دأبوا يشحذون همم أبنائهم ودفعهم إلى محرقة تحصيل الدرجة العالية أو الحصول على الشهادة والعلامة الأعلى بأي ثمن، دون مراعاة لمفاهيم السعادة والرغبة ومصلحة الأبناء في أن يكونوا قبل كل شيء متزنين محبين، تغلب عليهم ثقافة المشاركة لا الأنا. ولكن ما نراه من مجتمعاتنا وواقعنا، ليس إلا تجييش للتلميذ من قبل الأستاذ والأهل والمدرسة والتربية لتعزيز مبدأ أنا أو لا أحد.

يضاف إلى هذا كله كارثة ما يسمى “الأول” التي جعلت الكثير من المتفوقين أنانيين ولا يرون إلا مصلحتهم الضيقة دون سواها وفرضت على كثير منهم العيش في بروج عاجية واحياناً في عزلة اجتماعية أو تكبر على بيئاتهم البسيطة التي خرجوا منها. طبعاً هذه ليس حال الجميع ولكن لا يمكن إنكار وجود نسبة لا يستهان بها من هؤلاء. لا شك أن الفرص المحدودة ساهمت في تعزيز التنافس وبعض التنافس جيد وشريف وضروري ولكن ليس بهذه الطريقة الحارقة.

ما يهمنا الآن هو النظر إلى الموضوع اليوم بعين واعية وعدم إهماله، والاعتراف ولو مرة واحدة بأن بعض ممارساتنا وسياساتنا التربوية والأسرية لم تستطع أن تنمى ولو بذرة بسيطة تفيد بأن الحالة الإنسانية التي تقوم على حب الحياة والاستمتاع بها أهم وأسمى من أي شهادة أو موقع وظيفي يمكن أن نحصل عليه في المستقبل. ثمة حاجة ملحة لنا جميعاً ولمصلحتنا كلنا أن نغرس ثقافة الفرح والمشاركة في نفوس أبنائنا وأحفادنا وأن نتفق على أن نثر الحب والخير في أي مكان سيرتد علينا فرحا وكم نحن بحاجة هذا الفرح.

Visited 12 times, 1 visit(s) today