اخترنا لكمتقارير خاصةمش عيبمواضيع ساخنة

في الدروس المستفادة من كورونا … البطالة المقنعة وترشيد الإنفاق

دمشق: 

لم يمر على إعلان الحكومة السورية رفع القيود عن الحركة إلا يومين، لتطلق العنان لكافة الفعاليات الرسمية والخاصة بالعودة إلى سابق عهدها قبل الكورونا ولو بشكل تدريجي.

ما يثير الاهتمام حقيقة أن الفترة التي شهدت إغلاقاً شبه تام  في سوريا – والتي توقفت بموجبه أغلب المؤسسات الرسمية والحكومية إلا من تقتضي طبيعة عمله الحساسة الاستمرارية كعمال محطات التوليد والاتصالات والمشافي ووزارة الداخلية والتموين وكافة الفعاليات الاستراتيجية التي لا يمكن الاستغناء عنها- استمرت عدة أسابيع، لتأتي بعدها مرحلة ثانية تم إعادة ما يقرب من 10 % من الموظفين لتسيير شؤون المؤسسات العامة والمرافق المتعلقة واستمرت هذه المرحلة أيضاً بضعة أسابيع. ومن يراقب كيف أن الكثير من المواطنين والموظفين الحكوميين لا حظوا أن الحياة استمرت في البلد الأمر الذي يقول بأن عشرات الألوف من الموظفين في القطاعات الخدمية والإدارية يمكن أن يكون الكثير منهم حقيقة بدون عمل حقيقي كامل (باعتبار عدد ساعات العمل الأسبوعية 37.5). أعتقد أن الكثير من العاملين في القطاع العام يدركون أن هناك تخمة إدارية في كثير من الأقسام والمؤسسات لدرجة أن بعض المؤسسات لا يمكن لكثير من الموظفين ان يجدوا كرسياً يجلسوا عليه.

إن التخمة الإدارية والبطالة المقنعة ليست مشكلة الموظفين الذين لا يعملون إنها مشكلة الحكومة بالتأكيد، ولكن ماذا إذا فكرت الحكومة بالإبقاء على رواتب هؤلاء بدون نقصان وإتاحة الفرصة للعاملين الأساسيين والتركيز على جودة العمل وزيادة الرواتب والتعويضات لمن يعمل حقيقة وينتج بدل من تشتييت الإمكانيات القليلة وتوزيعها بين الجميع بحيث لا يميز القانون والإدارة بين الموظف المنتج والملتزم وبين المتسيب والمستهتر. موظفونا العاملون في المؤسسات العامة يعانون إما من ضغط هائل في العمل لقلة من الموظفين الذين توكل على عاتقهم أغلب المهام وهم للأمانة قادرون على تسييرها، وبين موظفين لا مهام حقيقية لهم وأغلبهم يعي أن مهمته لا تعدو اكثر من تسجيل حضور شخصي أمام مدير متسلط  يفتقد لأدنى متطلبات الإدارة الحكيمة.

حتى لا يفهم أننا نقصد تسريح أحد أو الاستغناء عن أحد– (نحن ندرك أن أكبر راتب يتقاضاه أفضل وانشط موظف مع حوافز كاملة لا يرتقي إلى بدل البطالة في أحسن حالاته، لذلك نحن مع العامل والموظف والإنسان السوري أينما كان ونتمنى أن يكون راتب البطالة للسوري يضاهي رواتب كبار الموظفين في دول الجوار )-، فإن ما نقصده هنا هو الإدارة الحكيمة بحيث يخير الموظف الذي يحب أن يحتفظ براتبه ويبقى في البيت  أو يريد العمل ضمن شروط جديدة وبيئة عمل جدية يمكن ان تعتمدها الحكومة لتحسين العمل وزيادة الإنتاجية وتحسين ظروف وبيئة العمل وتحفيز الناجح في المرحلة الأولى وتفعيل المحاسبة ومكافحة الفساد في مرحلة لاحقة باعتبار ان هذا الأمر غير قابل للتطبيق في هذه الظروف لأسباب يطول شرحها.

لقد كان للفترة التي أجبر فيها الكثير على البقاء في منازلهم إيجابيات لا يمكن تجاهلها ليس أقلها إمكانية التفكير بتوفير الكثير من النفقات والنثريات التي لا طعم لها وغير مبررة في دولة كسوريا تعاني من البيروقراطية الإدارية في أغلب مؤسساتها، كنا نامل أن يكون لدينا مراكز أبحاث قادرة على تزويدنا بأرقام عن كمية الهدر اليومي من الورقيات والمطبوعات فقط من جراء تعاميم الوزارات والمؤسسات والمنظمات من فوتير اتصالات و كهرباء وماء وصيانة ووقود وتهاني وضيافات (وبالطبع تم توفير مئات الملايين من الليرات السورية كانت تصرف في مؤسساتنا العامة ووزاراتنا إبان فترة الحجر). على سبيل المثال لا الحصر تخيلوا  الهدر الكبير غير المبرر الناتج عن طباعة المراسلات الورقية لوحده دون سواه في ظل توافر التقنيات الرقمية القادرة على الاستغناء عن هكذا مطبوعات وكتب ونسخ إلى جهات معينة، هكذا هدر بحد ذاته كفيل باستنفاذ الموارد الشحيحة بالأصل وإبطاء عجلة التطوير الإداري  (سيكون لنا وقفة في مادة قادمة عن الهدر الكبير نتيجة عدم استخدام التقنية في المؤسسات الحكومية والمؤسسات العامة).  من لا يرى في هذا هدراً فليسأل أحد الموظفين في أي ديوان في مديرية أو مؤسسة عامة او جامعة أو وزارة وسيصعق من الأرقام التي يمكن أن تكون عصية على القراءة من كثرة أرقامها.

سوريا اليوم في أمس الحاجة إلى جرأة في العمل وقوة وبصيرة في القرارات الحكومية، ولا بد لأي رؤية  أو خطة عمل حكومية من أن تكون متماشياً مع التطور الذي نراه ونسمع به من أقربائنا وزملائنا وحتى من بعض المؤسسات الخاصة في سوريا، لا يجب أن تبقى مؤسساتنا العامة رهينة البيروقراطية المريضة والاستهتار والشعارات الجوفاء.  نعلم أن الطريق طويل ولكن الخطوة الأولى مهمة وضرورية وملحة والزمن والإرادة كفيلان بتحقيق الأمل للسوريين، لإيماننا بأننا في سوريا لا نَقل شأننا إن لم نكن متفوقين على غيرنا على الأقل في جوارنا ومحيطنا الصغير.

A2ZSYRIA

Visited 18 times, 1 visit(s) today