اخترنا لكمعرب وغرب

لوس أنجلوس على صفيح ساخن: الحقيقة التي قد تغيّر أميركا إلى الأبد.

في مدينة تتنفس الفن والحرية، تحوّلت شوارع لوس أنجلوس إلى ساحة مواجهة مفتوحة، لا بين عصابات متناحرة، بل بين مواطنين غاضبين وقوات فيدرالية مدججة، وسط هتافات تنادي بالكرامة وحقوق المهاجرين، وأصوات قنابل الغاز تتصاعد في سماء هوليوود، تتكشف أزمة سياسية واجتماعية تهدد بنقل المدينة من مركز الإبداع إلى قلب الصراع الأميركي المحتدم حول الهوية، والسيادة، وحدود السلطة.

لوس أنجلوس، المعروفة عالميًا بشواطئها وشهرتها السينمائية، وجدت نفسها فجأة تحت حصار فعلي. الانتشار المفاجئ لـ 2000 جندي من الحرس الوطني في شوارع المدينة، بأوامر مباشرة من الرئيس، أثار حالة من الصدمة والذهول، لم تكن المدينة قد شهدت انتشارًا عسكريًا بهذا الحجم منذ أحداث الشغب في التسعينيات، المدنيون وجدوا أنفسهم محاطين بجنود وأسلحة، فيما صارت المظاهرات، التي بدأت سلمية، مسرحًا لصدامات متصاعدة مع قوات الأمن. رائحة الغاز المسيل للدموع اختلطت بأنين الغاضبين، ورسالة المدينة للعالم باتت أكثر تعقيدًا من مجرد احتجاجات عابرة.

لوس أنجلوس على صفيح ساخن

الخلاف حول سياسات الهجرة ليس جديدًا، لكنه بلغ ذروته مع هذه المداهمات. إدارات الهجرة الاتحادية بدأت عمليات دهم مفاجئة استهدفت مجتمعات لاتينية وآسيوية في أحياء مثل بويل هايتس وكومبتون، هذا التصعيد فُسر على أنه انتهاك صارخ لقوانين الولاية التي لطالما اعتُبرت “ملاذًا آمنًا” للمهاجرين، رد الفعل من ساكني المدينة لم يتأخر، إذ تحوّلت المظاهرات إلى حراك جماهيري عارم يطالب بوقف ممارسات “التهجير القسري”. في المقابل، أصر البيت الأبيض على أن هذه التحركات ضرورية “لحماية الأمن القومي”، ما زاد من حدة التصعيد بين الولاية والحكومة الفيدرالية.

ما يجري في لوس أنجلوس ليس مجرد اشتباك على الأرض، بل هو فصل درامي في مواجهة سياسية كبرى. الحاكم غافين نيوسوم وصف نشر الحرس الوطني بـ”الخطوة الاستفزازية”، فيما اعتبرت العمدة كارين باس أن المدينة “تُعامل كمنطقة محتلة”، في المقابل، وصف مسؤولون اتحاديون الاحتجاجات بأنها “تمرد” يستدعي الحسم. هذا التبادل المتوتر زاد من حدة الانقسام الحزبي، وأعاد للأذهان مشاهد من زمن الحرب الأهلية الثقافية في البلاد، وفي ظل هذا التراشق، يبدو أن الشارع هو من يدفع الثمن، بين مطرقة القرارات السياسية وسندان الغضب الشعبي.

الحقيقة التي قد تغيّر أميركا إلى الأبد

في ظل استمرار الاعتقالات وتزايد أعداد المصابين، تلوح في الأفق أسئلة وجودية حول مستقبل العلاقة بين المواطن والدولة. هل يمكن لحكومة محلية أن تحمي شعبها من سياسات فيدرالية تعتبرها قمعية؟ وهل تتحول لوس أنجلوس إلى رمز لثورة وطنية جديدة أم إلى عبرة على هشاشة الديمقراطية عند التوتر؟ رغم التوتر، لا تزال هناك مظاهرات سلمية تحمل الورود وترفع الأمل.

فالفنانون، والنشطاء، وحتى الأطفال يشاركون برسم جداريات، وتوزيع الطعام، وتوثيق الحدث، وربما هنا تكمن المفارقة: مدينة صاخبة بالأحلام، لا تزال تقاوم بعناد ألا تتحول إلى كابوس دائم.

ما بين الجنازير العسكرية وأحذية المتظاهرين، تكتب لوس أنجلوس فصلًا جديدًا في التاريخ الأميركي. إنها لحظة كشف عميقة، تجبر البلاد على مواجهة تساؤلاتها القديمة حول السلطة والحرية، والانتماء والعدالة. ومع كل مسيرة، وكل صرخة، وكل لقطة تصورها عدسة هاوٍ، تقترب المدينة خطوة من الحقيقة… الحقيقة التي قد تغيّر أميركا إلى الأبد.

صفحة الفيس بوك :https://www.facebook.com/narampress

Visited 28 times, 28 visit(s) today