نخوة السوريين تَغلبهم: مبادرات إغاثة بـ«اللحم الحيّ»
بيروت..
طاول تأثير الزلزال الذي ضرب المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، نفوس الكثيرين ممّن لم يطاولهم دماره، فسارعوا إلى مدّ يد العون إلى إخوتهم الذين نجوا من الكارثة، لكنهم خسروا الكثير معنوياً ومادياً. هكذا، انطلقت المبادرات الأهلية من عدّة محافظات سورية للمساعدة في لملمة جراح المناطق المكلومة، وتنوّعت ما بين مبادرات منظّمة من قبل مؤسسات عملت سابقاً في أزمات مشابهة، وأخرى قادها أفراد رفضوا الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هول الحدث. وينطلق هؤلاء من اعتقادهم بأن «الحِمل» على الجماعة يصبح أخفّ، على رغم عشوائية العمل وغياب التنسيق وانعدام الخبرة بإدارة الكوارث الطبيعية.
وسارعت الكثير من الجمعيات الخيرية، وبعضها عمل طيلة سنوات الحرب في العمل الإغاثي، إلى التنسيق مع الجهات الحكومية لفتح مراكز إيواء مؤقّتة للعائلات التي تشرّدت بعد انهيار منازلها. وجمعت الجمعيات التبرّعات لتأمين ما يمكن تأمينه من طعام وملابس وأدوية وأغطية للنوم، وفرق من المتطوعين لتقديم المساعدة. وفي هذا السياق، جهّز فريق «عمّرها» التطوعي قافلة من التبرعات العينيّة التي اتّجهت إلى حلب، وضمّت مواد غذائية وملابس وبطانيات وأدوية، وحليب وفوط أطفال. ويقول رئيس الفريق، محمد الجدوع، لـ»الأخبار»: «استجابة لكارثة الزلزال، أطلقنا حملة جمع تبرّعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتجهيز حافلتين، الأولى لمتضرّري محافظة حلب، والثانية إلى اللاذقية»، مضيفاً أن «الفريق سيقوم بفتح مطبخ ميداني في المحافظتين لتوزيع الطعام على مراكز الإيواء والمحتاجين».
وفي الاتّجاه نفسه، أطلقت مجموعات عديدة مبادرات ضمن مناطقها لجمع التبرّعات العينية المتنوّعة وإرسالها بشكل مستقلّ إلى المحافظات المتأثّرة بسيارات خاصة. كما أعلنت عائلات كثيرة، في مختلف المحافظات، فتح بيوتها لمن شرّدهم الزلزال. ويقول أحد عارضي الاستضافة في بيوتهم: «عندما نزحت من منزلي أيام الحرب، فُتحت لي عشرات البيوت، اليوم أردّ الجميل وأؤدّي الواجب، وأتمنى لو أنني أستطيع تقديم أكثر من ذلك». وعمل عدد من النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي على تسهيل وصول وتوزيع المشرّدين على الأماكن المؤقّتة، من خلال نشر قائمة بعناوين مراكز الإيواء في جميع المحافظات، والتي وصل عددها الأولي إلى 226 مركزاً.
يرى الحقوقي والناشط، أحمد الطبل، أن عشرات المبادرات الأهلية التي انطلقت بعد وقوع كارثة الزلزال، تعكس «طيبة» الشعب السوري، وعفويته في السعي لتقديم المساعدة، مبيّناً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «المبادرات عبارة عن جمع تبرعات عينية من المتبرعين وإرسالها بشكل عشوائي بناءً على حالة انفعالية سريعة، من دون دراسة احتياجات»، منبّهاً إلى أن «عملية تكويم المساعدات بهذا الشكل سيكون أثرها الإيجابي آنياً فقط، والحل يكون بالعمل على جمع بيانات وتحليلها بشكل سريع، وعلى أساسها يتمّ توزيع المساعدات، بعد إطلاق غرف عمليات في كلّ منطقة لإحصاء الأضرار والمتضرّرين وتزويدهم بما يحتاجون، والأهم وجود عملية تنسيق أكبر وأشمل بين المبادرات بحيث تكون جميعها معتمدة على بيانات صحيحة». ويشدّد الطبل على ضرورة «التفكير بطريقة العمل بعد فترة أسبوع من الحادثة، عندما تكون الهمم بردت والانفعال تلاشى»، مشيراً إلى أن «أكثر ما هو متاح في المبادرات الحالية هو الشباب المتطوّعون للقيام بالأعمال الميدانية المختلفة، لذلك فإن توجّه عدد من المتطوعين إلى المحافظات المنكوبة ــــ مشكورين ــــ يشكّل عبئاً على الجمعيات المتطوعة العاملة هناك».
بعض الجهات والشركات الخاصة ــــ وإن كانت قليلة ـــــ وجدت أيضاً سبيلاً للمشاركة في التخفيف من آثار الكارثة، من خلال تقديم خدماتها بشكلٍ مجّاني للمتضرّرين ولمن يقدّم المساعدة لهم. إذ أعلنت شركات نقل وشحن عن رحلات مجّانية لنقل المسافرين من المناطق المنكوبة، وشحن بضائع التبرّعات والمساعدات إليها على نفقتها الخاصة. كما قدّمت شركات طبية ودوائية ما يلزم من أدوات ومواد وأدوية لخدمة مصابي الزلزال، عدا عن المستشفيات والأطباء الذين تطوّعوا لإجراء المعالجات والعمليات الجراحية والاستشارات النفسية لمن يحتاجها. أيضاً، قامت شركات هندسة بتقديم خدمات الاستشارة المجّانية لتحديد سلامة المنازل التي أصابتها شقوق وتصدعات، فيما كانت للتبرّعات النقدية حصّة من مساهمات السوريين، وبخاصة الفنانين والمشاهير الذين قدّموا مبالغ مالية كبيرة لمصلحة جهات تعمل في مساعدة المتضرّرين. كذلك، دشّنت الفعاليات الصناعية والتجارية في المحافظات، حملات لجمع التبرّعات المالية.
الاخبار اللبنانية