هل ندرك معنى أن يتصدّر التافهون المشهد ؟
دمشق..
في بعض الدول انتشرت مؤخراً لوحات تعبيرية كُتب عليها ” توقف عن جعل الناس الأغبياء مشهورين “.. لوحات تحذيرية في زمن نرى بكل وضوح كيف تصدّر التافهون المشهد ..
كيف ابتلى المجتمع بهم وكيف تغلغلوا في كل تفاصيل حياتنا .. كيف لم يعد مهما ما لديك وإنما ما تبدو عليه ومن يقف خلفك .. كيف يضطر العاقل لأن يثبت نفسه أمام التافهين وللعيش وفق قوانين وضعها تافهون من أجل تافهين .. كيف أصبحت النخب مجرد موظفين تقليديين .. كيف يتم فرض واقع تافه عبر لغة وشخصيات وأدوات تافهة .
هي صناعة التفاهة التي تتم في مصانع مكشوفة مفضوحة لديها قوالب صدئة جاهزة تشبه قوالب الأحذية تنتج جميع المقاسات في مختلف المجالات كالاقتصاد والثقافة والتعليم والتربية والإعلام والفن وووو.. إنتاج يؤكد أنه لا يوجد تافهين مزيفين وأن جميع التافهين حقيقيين .. يؤكد أنه في سباق الفئران حتى الفائز سيبقى فأراً.
صناعة ازدهرت خلال الفترة الماضية ازدهار اللصوصية والفساد والتضخم والأسعار وقلة الضمير .. صناعة تضاعف إنتاجها من التافهين لتثبيت ثقافة التفاهة دون اكتراثها بأن الكذب لا يخفي الحقيقة إنما يؤجل انكشافها.. صناعة لا أعلم إن كان يدرك مهندسيوها أنه عندما تطغى التفاهة سيفقد الناس جميع أنواع الإحساس بالمسؤولية.
في عالم التفاهة لا داعي للخطوات التقليدية الشاقة الطويلة للنجاح , لا داعي للعقول والمواهب والخبرات والضمير , فتلك المصانع تكفلت بكل شيء , تكفلت بالدعم والتأييد والظهور وحتى ربطة العنق .. مصانع غايتها تحييد القانون وكسر كل القيم والعادات والمعتقدات والثقافات والأعراف الجميلة وجعل الحياة بلا ضوابط والدفع بالناس للتسليم بالقضاء والقدر وبالحوريات والدرك الأسفل .
في عالم التفاهة لا يهم إن كان التافه الجديد مرفوضاً من محيطه أو من الذوق العام لأن الهدف أن يكبر هذا العالم ويزداد معه التافهون جيلاً بعد آخر، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
زمن التفاهة يعني أننا نعيش في عصر يُسمح عمداً للكثير من الطبول الفارغة والحمقى بالوصول إلى مواقع إصدار القرارات والأوامر والتعليمات .. فيه يتكلم شخص تافه بأمر العامة ولو بينهم نخب في كافة المجالات .. فيه عقد الزواج أهم من الحب وكلام الله .. فيه مراسم الدفن أهم من الفقيد , واللباس أهم من الشخص , وصلاة الجمعة و قدّاس الأحد أهم من جوهر العبادة .
في زمن التفاهة هناك من يسأل عن دور كل من الظروف والإعلام و رجال القانون والاقتصاد والدين والسياسة و وسائل التواصل الاجتماعي في تداول وترسيخ التفاهة .. يسأل ماذا ينتظرنا في الامد المنظور اذا استمر نموها بالوتيرة الحالية ؟.
في زمن التفاهة هناك الكثير من الشرفاء والعقلاء في مواقع القرار ممن يحاولون وضع النقاط على الحروف وإعادة القطار إلى سكته , لكن أعداد التافهين الضخمة واستماتتهم في الدفاع عن مواقعهم واستعدادهم لفعل أي شيء في سبيل ذلك تعرقل تصويب المسار .
قال أحدهم “العالم لن يفنى بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والإفراط في التفاهة التي ستحوّل الواقع إلى نكتة سخيفة”.
#الساعة_25: نضال فضة