اخترنا لكمعرب وغرب

أردوغان يطلب لقاء الأسد

بيروت..
لم تكد تنخفض وتيرة التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية برّية ضدّ «قسد»، حتى عاد رجب طيب أردوغان إلى طرْق باب دمشق بحثاً عن «آلية لتسريع الديبلوماسية». وإذ بدا أردوغان هذه المرّة أكثر صراحةً ووضوحاً، طالباً بشكل مباشر لقاء نظيره السوري بشار الأسد، ومحدِّداً عنوانَين رئيسَين للتعاون، هما: إبعاد القوى الكردية عن الحدود، وتسريع وتيرة إعادة اللاجئين السوريين، فإن تطوّر مسار المصالحة بين البلدَين يبقى رهْناً بما سيستقرّ عليه موقف الحكومة السورية، على رغم أن الإشارات الآتية من موسكو، وأحدثها اقتراح الأخيرة عقْد مؤتمر لمكافحة الإرهاب بمشاركة السوريين والأتراك، تشي بأن تلك المصالحة لم تَعُد مستحيلة

على عكْس التصريحات السابقة الخجولة التي أدلى بها مسؤولون أتراك، وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه، حول انفتاح أنقرة على اتّخاذ خطوات تَقارب مع دمشق، خرج الرئيس التركي، هذه المرّة، بتصريحات مباشرة، كاشفاً عن عرْض قدمّه إلى نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، لبدء سلسلة من الاجتماعات بين تركيا وروسيا وسوريا، بهذا الخصوص. أردوغان الذي بدا أمس أكثر تحديداً في حديثه، شرح بشكل مقتضب معالم الخطوات التي يرغب في تنفيذها، والتي تبدأ برفع وتيرة اللقاءات الأمنية، والارتقاء بها إلى مرحلة اللقاء بين وزيرَي دفاع البلدَين ووزيرَي خارجيتَيهما، تمهيداً للقاء مباشر يجمعه مع الرئيس السوري، بشار الأسد، لمناقشة القضايا الخلافية وتجاوُزها، مؤكداً أن عرْضه ذاك لقي قبولاً من بوتين. وشدّد أردوغان، الذي أدلى بهذه التصريحات إلى الصحافيين خلال عودته من تركمانستان، على ضرورة التعجيل في اللقاء مع الأسد بهدف «محاربة التنظيمات الإرهابية الموجودة في سوريا، بخاصة الموجودة في الشمال السوري، والتي تهدّد وتستفزّ بلدنا من هناك» (في إشارة إلى قوات سوريا الديموقراطية – قسد)، واصفاً هذه المسألة بأنها «مشكلة يجب التعامل معها بشكل عاجل».

وفي وقت تعكس تصريحات أردوغان الجديدة، حالة الاستعصاء التي وصل إليها مشروع العملية العسكرية البرّية ضدّ «قسد»، في ظلّ «الفيتو» الأميركي المفروض عليها في بعض المناطق، وتَواصل الوساطة الروسية بشأنها في مناطق أخرى، فإنها تأتي في توقيت حسّاس بالنسبة للرئيس التركي، الذي يخوض انتخابات رئاسية حاسمة خلال بضعة شهور، يشكّل الملفّ السوري عنصر حسم هامّاً فيها، وسط منافسة تبدو محتدمة هذه المرّة. وخاضت أنقرة، خلال الشهور الماضية، بضع محاولات، بوساطة روسية وإيرانية، للتطبيع مع دمشق، عبر سلسلة لقاءات أمنية لم تَنتج منها أيّ تغييرات حقيقية على الأرض – باستثناء بعض الخطوات الخجولة بين الطرفَين عبر تجهيز معابر دائمة لإعادة اللاجئين وفتْح باب المصالحة في إدلب -، في ظلّ إصرار الحكومة السورية على تجهيز أرضية واضحة لهذا التطبيع، تربط الأقوال بالأفعال، وتُبعد الملفّ عن فضاء الدعاية الانتخابية التركية. ويأتي على رأس ما تشترطه دمشق انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري، ووقْف دعمه للفصائل المعارضة، في وقت تَعتبر تركيا أن هذه الخطوات لا يمكن تنفيذها بشكل مباشر، بل تحتاج إلى خطّة متدرّجة ومزمّنة.

وبالتوازي مع تصريحات أردوغان، أعلن رئيس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، خلال مؤتمر صحافي مع رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، في أنقرة، في ختام زيارة أجراها الأوّل إلى تركيا والتقى خلالها أردوغان، استعداد بلاده لعقْد مؤتمر لمكافحة الإرهاب يضمّ دمشق وأنقرة، إلى جانب عواصم عدّة من بينها طهران وبكين. ويبدو هذا الطرح مرتبطاً بالعمل الروسي الحثيث لدفْع التقارب بين سوريا وتركيا، إذ يمكن لمؤتمر من النوع المذكور أن يوفّر منصّة ملائمة لإجراء لقاءات ديبلوماسية على مستويات رفيعة، ومناقشة الملفّات العالقة بشكل مباشر. بدوره، عقد السفير السوري في موسكو، بشار الجعفري، لقاءً مع ميخائيل بوغدانوف، الممثّل الخاص للرئيس الروسي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، ونائب وزير الخارجية الروسي، من دون أن تتسرّب أيّ معلومات حول فحوى الاجتماع، فيما اكتُفي بنشر «خطوط عريضة» لِمَا ناقشه الطرفان. وربط مراقبون، في وقت سابق، بين تعيين الجعفري الذي كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية في سوريا، سفيراً في موسكو، وملفّ العلاقات السورية – التركية والمفاوضات التي تعمل روسيا على تسريع وتيرتها بين البلدَين.
وبالعودة إلى تصريحات أردوغان الجديدة، بدا لافتاً حرص الرئيس التركي على الردّ بشكل غير مباشر على واشنطن، خلال تعليقه على تصريحات المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، الذي قال في وقت سابق إن «الولايات المتحدة لا ترى أن عملية الحوار مع دمشق سيكون لها تأثير إيجابي». إذ قال أردوغان إنه لا يتلقّى التعليمات من أحد، مُذكّراً بلقائه الرئيس المصري في قطر أخيراً. واعتبر أن «العامل الحاسم في الخطوات التي سنتّخذها بخصوص سوريا ستكون مصالحنا الوطنية، والحفاظ على المنطقة الآمنة التي نسعى إليها ضمن التدابير التي نتّخذها ضدّ التنظيمات الإرهابية»، التي تتّهم تركيا، الولايات المتحدة، بدعمها عبر شتّى الوسائل. وتناوَل أردوغان ملفّ النفط باستفاضة أيضاً، مشيراً إلى رغبة بلاده التي أعلن عنها سابقاً، في أن تعود الحقول إلى سيطرة دمشق، ما يعني إصرار أنقرة على خروج واشنطن من سوريا، وهو ما من شأنه تعزيز الأرضية المشتركة التي تَبني عليها موسكو خطوات التقارب بين صديقتَيها.

وبالإضافة إلى دلالاتها في سياق الانتخابات الرئاسية التركية المنتظَرة، تأتي تصريحات أردوغان بالتزامن مع اقتراب انتهاء مفاعيل القرار الأممي حول آلية إدخال المساعدات إلى سوريا، والتي تمكّنت روسيا من ربْطها بتقديم دعم لمشاريع «التعافي المبكر»، مقابل السماح بإدخال بعض الدفعات عبر الحدود (من تركيا عبر معبر باب الهوى)، إلى جانب إدخال البقيّة عبر خطوط التماس (من دمشق إلى الشمال السوري). وتتطلّع تركيا، في ظلّ الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي ترزح تحتها، وتدنّي مستويات المعيشة في الشمال السوري، إلى تمديد هذه الآلية، تجنّباً لاضطرابات واجهتْها سابقاً ولا ترغب في تكرارها.

Visited 19 times, 1 visit(s) today