أين جودة و مجانية الخدمات في المشافي العامة ؟
“الدعم” وما أدراكم ما الدعم، هذا المفردة التي تتردد دوماً في اجتماعات الحكومة وفي الإعلام الرسمي، إذ لا يخلو تصريح من أي وزير في الفريق الخدمي من التصريح بمناسبة أو من دون مناسبة لتذكيرنا نهاراً جهاراً بكلف الدعم الذي تقدمه الحكومة للمواطنين، وتتحفنا بإصرارها على أن كل ما تم إلى الآن من خطوات يصب بالدرجة الأولى بقصد إيصال الدعم لمستحقيه. ورغم أن هذا الكلام لا يطرب أغلب المواطنين ولا يرتاح لسماعة كثير من الناس، إلا أننا حقيقة كمواطنين بالدرجة الأولى وكوسيلة إعلامية تحاول نقل حال الناس، يهمنا بالدرجة الأولى ما نراه على أرض الواقع وما نسمعه من الناس مباشرة بهذا الخصوص.
إلى الآن لا تزال استراتيجية الحكومة بخصوص الدعم تنتابها الكثير من العثرات والإخفاقات إن لم نقل أنها غير ناجحة، وما عاناه الناس في الفترة الأخيرة من مشاكل جديدة تخص أزمة الخبز وسوء توزيع المحروقات يشهد بذلك.
للحكومة وجهة نظر تفيد بأن ترشيد الدعم يمكن أن يوفر من الإنفاق ويخفض الفاتورة الشهرية التي تدفعها الحكومة بالعملة الصعبة لتأمين ذلك. ولكن هذا لا يجوز أن يكون مبرراً لفتح باب معاناة المواطنين على مصرعيه وخلق مشاكل كان الناس بغنى عنها. فالقاصي والداني يدرك أن المواطن السوري قاب قوسين أو أدنى من السقوط ولا يحتاج إلى الكثير ليُطرح أرضاً.
إذا ما افترضنا جدلاً أن الحكومة تريد فعلاً ترشيد الدعم وإيصاله إلى مستحقيه وفي نفس الوقت تقليل الفاتورة الشهرية التي تستنفذ خزينة الدولة، فلماذا لم تفكر في أمر الفشل الإداري وسوء الخدمات المقدمة من المشافي العامة، وقصص التامين الصحي التي تسيء إلى الطبيب والموظف. هل يعتقد المسؤولون عن هذا الملف في الفريق الحكومي أن الخدمات المقدمة في الكثير من المشافي العامة يستفيد منها مستحقوها؟ هل يعتقدون أن التأمين بوضعه الحالي يعطي المُؤَمن عليه ما يستحقه ويضمن كرامته ام أنه أصبح مادة للابتزاز بين شركات التأمين والطبيب والمواطن.
لا شك بأن فاتورة الخدمات الطبية هي الأكبر، ولكن هل أن الإنتاجية والسمعة والخدمات المقدمة والتي تحسب من الدعم تصل إلى من يستحقه من المواطنين المحتاجين؟ أغلب المواطنين مدركين بأن الاستشفاء الخاص ينمو على اكتاف سوء الإدارة في المشافي العامة. لا أحد ينكر بأن الإمكانيات والتجهيزات والكوادر في المشافي العامة أفضل من أغلب المشافي الخاصة، وأغلبنا يدرك بأن الكثير من الأطباء الذين على ملاك هذه المؤسسات العامة هم أنفسهم من يقومون بالعمل وتشغيل المشافي الخاصة ( ليس كلهم ولكن اكثرهم).
تصوروا أن يدخل مواطن إلى مشفى عام ويضطر لشراء أدوية بقيمة عشرات الألوف من الليرات، و أنه بحاجة إلى أن يدفع لممرض أو لطبيب موظف في المشفى ما يفوق راتبه الشهري ليتلقى خدمة يجب أن تقدم بدون مقابل لمن يراجع المشفى. طبعاً قد يبدو المثال السابق من ضرب الخيال وقد يقول البعض أنه مبالغ فيه ولكن سؤال من يتردد على المشافي العامة ويسأل عن خدمة مناسبة تليق به لن يستغرب ما ذكرناه. لا يمكن أن نبرر أبداً للطبيب أو الممرض أو المخبري أو أي فني موظف في أي مشفى عام استهتاره وعدم جهوزيته للعمل بحجة أن الراتب لا يكفي، وفي نفس الوقت من غير اللائق وغير المقبول أن يتقاضى العاملون في المشافي الخاصة عشرات أضعاف ما يتقاضاه العاملون في المشافي العامة ونريد منهم أن يتحملوا مسؤولية فشل الإدارة وسوء الخدمات في بعض المشافي العامة.
ثمة من نقطة مهمة أخرى ووهي الفاتورة المضاعفة التي تدفعها الحكومة والتي تحتاج إلى تصويب حقيقي وترشيد بحيث أن المواطن ينال حقه في ما تسميه الحكومة الطبابة المجانية. يجب أن يتم ترشيدها والعمل عليها، ولا يجب أن يكون الحل أبداً على حساب الطبيب أو المواطن. لا أعتقد ان الأمر غير قابل للحل، فما تدفعه الحكومة لشركات التامين الصحي، لو دفع على شكل حوافز للعاملين في المشافي العامة ولو وُجد نظام إدارة مشافي جيد وطريقة احترام للمواطن في المشفى العام لما اختار المريض إلا المشافي العامة ولما اضطر أي طبيب أو ممرض أو مخبري على العمل في أي مؤسسة أخرى (إن تم إعطاءه حقه الذي يستحقه ويمكنه من العيش بكرامة حقيقية).
لا شك بأن دعم الخدمات الصحية ومجانيتها وجودة خدماتها من القضايا الملحة التي يحتاجها أي مواطن في أي بلد، ومجرد الادعاء بأن الخدمات المقدمة هي خدمات مدعومة وبجودة عالية لا يعني انها كذلك. الموضوع برسم الفريق الخدمي الحكومي وسوء الإدارة والهدر والاستهتار الذي يتعرض له الكثير من المراجعين في الكثير من المراكز والمشافي العامة يحتاج إلى عناية وجهد دؤوب ونيه صادقة من قبل الحكومة والمواطن والعاملين في المجال الصحي.
A2ZSyria