اخترنا لكمحكي الناس

ارتفاع نسبة الأطفال اللقطاء شمال سوريا إلى أرقام مخيفة

طوال سنوات الأزمة السورية، كانت معدّلات العثور على أطفال لقطاء مجهولي النّسب ضمن حدود معقولة، ولم تكن حكراً على محافظة دون غيرها، بل كانت تحدث في مختلف المحافظات، نتيجة الظروف المعيشية والاقتصادية التي أفرزتها الحرب.
خلال السنوات الأخيرة، بدأت الأمور تتحوّل إلى ظاهرة في المحافظات الشرقية من سوريا، وتحديداً الرقة ودير الزور والحسكة، الخاضعة بمعظمها لقوات سوريا الديمقراطية ” قسد”، ويكاد لا يمر شهر إلا ويتم العثور على طفل حديث الولادة في أحد أحياء تلك المحافظات الثلاث أو شوارعها.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة لأعداد الأطفال اللقطاء في هذه المحافظات، فإنّ متوسّط عدد الأطفال الذين يتم العثور عليهم شهرياً يبلغ 2 في كل محافظة.
غالباً، لا يحالف الأطفال “اللقطاء” الحظ بالبقاء على قيد الحياة، إذ تسعى أمهاتهم إلى التخلص منهم فور ولادتهم، خوفاً من ملاحقة الأهل أو الخضوع لـ”عرف العشائر”، الذي يصل إلى حد القتل لمن يقوم بهذا الفعل.
لذلك، فإن الأطفال في هذه السن يواجهون في الطرقات الحيوانات الضالّة من الكلاب الشاردة أو الجرذان، إضافة إلى الموت نتيجة انخفاض درجات الحرارة أو الجوع، وثمة من يتم وضعه أمام أبواب المساجد حيث يعمد الأهالي الذين يقطنون خارج نطاق سيطرة الدولة السورية إلى تبنّي هؤلاء الأطفال وتربيتهم نتيجة عدم وجود مراكز متخصصة لاحتوائهم والاعتناء بهم.
خلال الفترة القصيرة الماضية، تم العثور على 4 أطفال “لقطاء” في ريف الحسكة، وطفلين في الرقة، وطفل في دير الزور، وجميعهم تم العثور عليهم في مناطق وأحياء تقع ضمن سيطرة “قسد”، وهذا الأمر أصبح يشكّل مصدر قلق كبير للأهالي، فالأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة لا تقتصر على العوامل الاقتصادية والمعيشية، بل تشمل أموراً أكثر خطورة.
الكثير من الأهالي يؤكدون أن السبب الرئيسي يتمثل بإجبار “قوات سوريا الديمقراطية” الفتيات على الالتحاق بدورات عسكرية تدريبية “مختلطة” تكون في غالبيتها لمدة زمنية طويلة، وفي مناطق بعيدة عن بلداتهن وقراهن، وقد تكون أحياناً في إقليم كردستان العراق، من دون قدرة الأهالي على منع هذا الأمر لأن الدورات تكون إجبارية وبقوة السلاح.
فهد المحيمد (41 عاماً) من أهالي الرقة شمال سوريا، يؤكد للميادين نت أن هذه الظاهرة تخالف الأعراف السائدة ضمن مجتمع الرقة المُحافظ، والذي يمنع بأيّ شكل من الأشكال تخلي العائلة عن طفلها لأيّ سبب كان، في المقابل، يؤكد المحيمد أن السبب الرئيسي لانتشار هذه الظاهرة هو “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تستغل الفتيات لتنفيذ مخططاتها السياسية والعسكرية، إذ تعمد القوات إلى إخضاع الفتيات لدورات قتالية وتدريبية لفترات طويلة في جبال سنجار في العراق، إضافة إلى إجبار العائلات على إلحاق بناتهن بالمعسكرات الداخلية المختلطة.
المحيمد كشف أن العديد من الفتيات أكدن تعرّضهن لمضايقات منافية للأخلاق ضمن معسكرات “قسد”، لكنّ الخوف من رد فعل قادة “القوات” أجبرهن على السكوت، بينما يشير المحيمد إلى وجود معطيات تؤكد إجبار التنظيم الفتيات على القيام بممارسات لا أخلاقية تقود إلى الحمل، ولكي يتم إخفاء الأمر عن المجتمع تعمد النساء إلى التخلص من الأطفال بوضعهم على الطرقات.
ويشير بعض الأهالي إلى أنّ تلك الدورات ساهمت في إجبار الفتيات بقوة السلاح على مخالفة الأعراف القائمة في المجتمع السوري، خاصّة وأن “قوات سوريا الديمقراطية” تعطي حصانة أمنية للفتيات اللواتي يلتحقن بالدورات العسكرية، عبر حمايتهن ومنع الاقتراب منهن، وبالتالي رفع سلطة الأسرة والمجتمع عنهن.
وبحسب الأهالي، فإن الظروف الاقتصادية موجودة منذ سنوات، وظاهرة رمي الأطفال كانت موجودة لكن بنسبة ضئيلة جداً، لكن مع بدء الدورات العسكرية للفتيات تفاقمت الظاهرة بشكل كبير.
فاضل عبد الله (51 عاماً)، من أهالي حي “النشوة الغربية” في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا، يؤكد للميادين نت أنّ ظاهرة العثور على أطفال “لقطاء” لم تكن موجودة من قبل بسبب طبيعة المجتمع العشائري في الجزيرة السورية، الذي يمنع بشكل مطلق تصرّفات كهذه، حتى وإن كان الأمر مرتبطاً بالوضع المعيشي المتردي.
يضيف عبد الله: “منذ عشرة أيام، عثرنا على طفل قرب جامع الحي، قبل أن تأخذه عائلة لتربيته لديها، وقبل شهر عثر الأهالي أيضاً على طفل حديث الولادة في حديقة البلدة، وهذه الظاهرة بدأت تتفاقم بشكل كبير”.
وبعيداً من الدور الجوهري الذي تلعبه المعسكرات المختلطة في انتشار هذه الظاهرة، فإنه لا يمكن أيضاً إهمال العامل الاقتصادي والظروف المعيشية الصعبة الناتجة من عجز “قوات سوريا الديمقراطية” عن إيجاد مشاريع حيوية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، كونها تستأثر بالثروات الطبيعية وتمنعها عن أهالي المنطقة.
وبين الظروف المعيشية الصعبة والمعسكرات التدريبية الإجبارية للفتيات، يبقى الأطفال هم الضحية فيما يجري شمال شرق سوريا، وهذا الأمر بحاجة إلى جهود فعّالة تضع حداً للممارسات التي ترتكبها “قسد” عبر إعادة المنطقة إلى سلطة الدولة السورية بشكلٍ كامل.
عبد المحسن الفاضل، المختص الاجتماعي في مديرية الشؤون الاجتماعية في محافظة الحسكة السورية يؤكد للميادين نت أنّ ظاهرة “وضع الأطفال على الطرقات” قديمة وليست جديدة، وهي معقّدة وتشتمل على عوامل عدّة مركّبة، لكنّ الحرب ومفرزاتها أسهمت في زيادة انتشار هذه الظاهرة، من خلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ففي الجانب الاقتصادي، يؤكد الفاضل أن نفقات العناية بالأطفال، ولا سيما المرضى وذوي الإعاقة ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الزواج إلى مستويات غير مسبوقة، ما دفع الشباب إلى العزوف عن فكرة الزواج لعدم وجود القدرة المادية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، يشير الفاضل إلى أن تفكك بعض الأسر اجتماعياً، وانتشار الجهل والأمية بسبب خروج آلاف المدارس عن الخدمة، وغياب الوعي الأخلاقي وهجرة الشباب الذكور كلها عوامل لها تأثير واضح، كما أدت الظروف الأمنية في كثير من الأحيان إلى موجات نزوح داخلي وعدم الاستقرار المجتمعي وغياب سلطة الدولة في بعض المناطق، ما أسهم في انتشار هذه الظاهرة في المجتمع.
وعن الإجراءات القانونية المتبعة عند العثور على أطفال حديثي الولادة، يؤكد الفاضل أنه في البداية يتم تنظيم الضبط اللازم والتقارير الطبية التي تقيّم حالة الوليد، ثم يجري اصطحابه إلى مجمع دور “لحن الحياة” في ريف دمشق، حيث يتلقى هناك الرعاية المؤسساتية اللازمة من قبل مختصين بالرعاية، ويتم تسجيله في سجلات الأحوال المدنية، ويمكن للمجمّع إلحاق الطفل للعيش ضمن أسرة كافلة وفق شروط معينة مع متابعة الإشراف عليه.
أما بخصوص الأطفال “اللقطاء” الذين يتم العثور عليهم في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية، فيؤكد الفاضل أنه لا يمكن التعامل معهم بسبب عدم القدرة على الوصول إليهم، وذلك نتيجة الأوضاع الأمنية، وتحكم “قسد” بالمناطق الخاضعة لسيطرتها عبر منع أجهزة الدولة ومؤسساتها من ممارسة عملها في تلك المناطق.

Visited 60 times, 1 visit(s) today