اخترنا لكممن هنا وهناك

الحب والطب والآثار السورية

 دمشق…

الحب غريزة في النفس البشرية وكلمة وجدت مع ظهور الإنسان الأول على وجه المعمورة وهو لفظ راقي وإحساس اختياري يتم اكتسابه ويمثل حالات عاطفية قوية جدا تؤثر على القلب والعقل معا وتتجسد أسمى معانيه بمتعة العطاء والتضحية والمودة والرحمة وهو أوسع وأكبر من مفهوم العشق والغرام. وقد أثبت الطب الحديث أن الحب مرتبط بشكل وثيق بالدماغ، وأن هناك جزأن في الدماغ هما المسببان لتطور المشاعر من الرغبة الجنسية إلى الحب، الأول عازل ويشكل جزء من قشرة الدماغ مطوي في عمق يقع بين منطقتي الفص الصدغي والفص الجبهي والثاني مخطط موجود في مكان قريب داخل مقدمة الدماغ.

وأكد الطب الحديث على وجود هرمونات في جسم الإنسان تتدخل عند الإحساس بالحب وهي المسؤولة عن ردود الفعل الجسدية كاحمرار الوجنتين وتعرق اليدين وتتمثل في هرمون الدوبامين وهو مادة كيميائية دماغية مرهفة مرتبطة بالنشاط والفرح وهو المسؤول عن خلق مشاعر النشوة، فعند الشعور بالحب لأول مرة يكون الدوبامين نشط بشكل كبير ويحدث أيضا ارتفاع في هرمون الكورتيزول المسبب للتوتر.  ويسبب هرمون السيروتونين انخفاض هبوطي في الجهاز العصبي الذي ينظم المزاج. والسيروتونين هو المسبب الرئيسي لاضطرابات الوسواس القهري وعند الإحساس بالحب يقل تأثيره بفضل ازدياد تدفق الدم إلى مركز المتعة في الدماغ. في حين يسبب هرمونا الأدرينالين والنورادرينالين ضربات خفيفة في القلب وارتباك وانشغال تام. وهرمونات السيروتين والإندروفين والفاسبوريسين والأكسيتوسين هي المسؤولة عن علاقة الحب الدائمة.

وتوثق اللقى الأثرية المكتشفة في مختلف المواقع الأثرية السورية إبداع النحاتين والرسامين في في مختلف العصور التاريخية على تجسيد شخصية كل ما يرمز إلى الحب والجمال بشكل دقيق متقن, اعتمد فيها الفنان التشكيلي في سورية على الأصول الجمالية المثالية، في نحت ورسم أشكال النساء وهم في منتهى الكمال الجمالي المثالي فجسد الجمال في جوهره الخالص وأبرز ملامح المرأة المملوءة بالصحة والحيوية والرشاقة والجمال الطبيعي ومال في تشكيل لوحاته الفنية إلى النعومة والتكامل والتشطيب الوافي مع الإيقاع في الأجسام الحية لتبدو بعيدة عن الجمود والصلابة.

أفروديت إلهة الحب والجمال عند الإغريق والتي سميت لاحقا فينوس عند الرومان وتعني الوردة الفرحة، تعتبر من أروع التماثيل التي نحتت ولوحات الفسيفساء التي شكلت والتي عبرت أبلغ التعبير عن جمال المرأة وركز النحات فيها على إبراز الملامح الجمالية في تعابير الوجه وصورت بقد ممشوق وجمال خلاب وجسد يتفجر أنوثة. وقد نحتت منتصبة أو جالسة وفي أغلب الأحيان بصورة عارية بخلاف باقي الربات التي جسدت وهي ترتدي رداء.

عبادتها تنبع على الأرجح من أصل شرقي، وتمثل الربة السورية عشتار إلهة الخصب والحبّ والجنس، والتي غالباً ما جسدت عارية بصورة شابة ممتلئة الجسم، نافرة الصدر، ذات قوام جميل، وخدَّين مُفعمين بالحيوية، وعينين جميلتين مُشرقتَين تسحر وتفتن كل من ينظر إليهما وجمال أخّاذ، في فمها يكمن سرُّ الحياة والسرور الدائم، لا تفارق وجهها الابتسامة التي تبعث الأمن والطمأنينة في نفوس محبيها وعلى شفتيها تتجلى الرغبة واللذة وإثارة الشهوة, تجوب الحقول والغابات بخفَّة ورشاقة ودلال، فتتفجَّر الينابيع خلفها بالماء، وتتفتح أزهار الأرض معطرة المكان الذي تمر به بأطيب الروائح وتثمر الأشجار وتُزهو الأرض بالسنابل والنماء.

 وتفتخر سورية اليوم بامتلاكها مئات التماثيل والرسوم ولوحات النحت النافر التي تصور الربة عشتار والتي يصنف بعضها كقطع نادرة عالميا بعضها محفوظ في متحف دمشق الوطني ومتحف دير الزور ومتحف حلب ومتحف الرقة ومتحف تدمر والتي يؤرخ أقدمها بالألف الثالث قبل الميلاد

 وتوثق الآثار السورية قصة غرام أفروديت وآرس من خلال لوحة فسيفساء مكتشفة في إحدى قصور الإمبراطور فيليب العربي في موقع شهبا ومكونة من أحجار كلسية ملونة تبدو فيها أفروديت آلهة الحب والجمال عارية حتى نصفها السفلي يحيط برأسها هالة الألوهية وتضع إحدى وصيفاتها على رأسها إكليل من الغار وأمامها ملاك الحب الصغير كيوبيد يحمل أسلحة الإله آرس كالسيف والترس ويبدو آرس إله الحرب عاريا تماما يضع على يده اليسرى رداءً ويحمل الرمح، وحول رأسه هالة الألوهية وتتجاذب في أسفل اللوحة أسلحته ويقوم أحدهم بمسك ساق آرس متوسلا لوقف الحرب وتبدو أيضا في اللوحة إلى جانبه امرأة مدثرة بالعباءة، ترمز إلى الحشمة والعفة، وفي أعلى اللوحة من الجهة الشرقية، تجلس سكوبي متكئة على صخرة تنظر بإعجاب إلى أفروديت، ويعلو اللوحة في الوسط ملاكي حب يرقصان وآخرين يحملان السيف. اللوحة محفوظة حاليا في متحف سهبا وتؤرخ على الأرجح ما بين 244-249 م.

  كما احبت أفروديت من الآلهة ديونيزس/ديونيسوس إله الخمر وبوسيدون إله البحر وقد أحب أفروديت من البشر الكاهن الطروادي أنتشيسيس وأنجبت منه أينياس بطل طروادة، ونتج عن رحلة إينياس من طروادة بمساعدة أفروديت تأسيس مدينة روما وهامت أفروديت عشقا بالفتى الجميل أدونيس القادم من الشرق وقرين عشتار وكان يجسد الربيع والإخصاب لدى الكنعانين والإغريق. وكان يصور كشاب رائع الجمال. ولكن خنزيرا بريا صرعه كما تروي الأسطورة الإغريقية حيث حذرته فينوس من اخطار الصيد الا ان ادونيس لم يأبه لنصيحة فينوس فقتل بواسطة خنزير بري او قتله هفتيس زوج فينوس الغيور تنكرا في صورة خنزير بري وعند موته نبتت شقائق النعمان اما من دم ادونيس او من دموع فينوس.

وليس هناك حب أسمى من حب الوطن ونختم مقالانا بالكلمات التالية:

حبكِ سورية عشق وغرام نابع من القلبِ بصدقٍ ولهفةٍ

لولا حبكِ سورية ما عرفَ العالمُ يوماً الحبَ

تتوقفُ روحُ العشاقِ عن الحياةِ ولا تتوقفُ عن عشقِ روحكِ

وإن ماتتِ القلوبُ لن تموت الروح التي عاشت تحبّك

أحبك سورية وهواك نعمة وحبك نعمة الرحمن

نبضات القلب لم تنبض يوما إلا بحبّك، ولم أسمع دقات قلبي إلا في عشقك

يا من علّم الدنيا كيف الإحساس يكون، فأنتِ موطن الحب والإحساس

يا من ملكت عرش القلوب حبا والقلب لا ينبض إلا من أجلك

دائماً، حبك يسكن أفكاري، في ليلي ونهاري، محفور بين جفوني ونور عيوني

سأظل أحبك فأنت قدري؛ وأنت اختياري يا بديعة الخالق الرحمن

وما يحمله قلبي بحبك يعجز عن نثره قلمي وما يسكبه مداد حبري لا يوفيك حقك بالوصف

وأنت في القلب مثل النقش في الحجر وحبك نور يطوي الشمس والقمر

يشهد الحب وميزانه، وكل الورد وألوانه، لو للغرام عنوان، أنت يا سورية عنوانه

حبك دائم لا يضيع، ووردك لا يذبل في الربيع، فيك الأمل باقٍ ومتجدد

يا من جذب الروح من الأفئدة، وخطف القلوب من بين الضلوع، يا نبض القلوب

 انت سورية أجمل القلوب التي أحبت الخير لغيرها مثلما أحبته لنفسها

لو تاه الحب سورية البوصلة والدليل لو مات القلب سورية البديل وكلمة حب في حبك قليل

لو أن الحب كلمات تكتب لانتهت أقلامي لكن الحب أرواح توهب فهل تكفيك يا سورية روحي.

 

بقلم المؤرخ الدكتور محمود السيد-المديرية العامة للآثار والمتاحف والإعلامي محمد عماد الدغلي

Visited 27 times, 1 visit(s) today