الذهب الأصفر وإنعاش الاقتصاد السوري
الذهب الأصفر وإنعاش الاقتصاد السوري .. مع بداية حصاد غلة الحنطة في سوريا الموسم الاستراتيجي الرئيسي الذي تخصص له الدولة اليوم آلاف المليارات من الليرات السوريّة لدفع ثمن المحصول للفلاحين، كيف يمكن أن نحول مليارات “الذهب الأصفر” التي يتم ضخها خلال أسابيع قليلة إلى إنعاش الاقتصاد وتحرك الأسواق بدلاً من توجيهها نحو التضخم وزيادة الأعباء على الفلاح والمواطن؟.
الجميع يعلم أن غلّة الفلاح من الموسم الاستراتيجي السنوي “القمح” تتوزع على تسديد ديون على المصرف الزراعي، وعلى التحضير للموسم القادم، وعلى مصاريف عائلته خلال العام، وكون سعر الصرف غير مستقر فيذهب الفلاح فوراً لاستبدال غلته؛ إما بالأخضر أو المعدن الأصفر، وهذا ما يتسبب وفق مؤشرات الأعوام الماضية إلى تحريك سعر الصرف في السوق السوداء، وتسجيل المزيد من التضخم والألم للشعب السوري.
الذهب الأصفر وإنعاش الاقتصاد السوري
جميع العمليات والتداولات المالية للفلاحين تتم ضمن المصرف الزراعي التعاوني وفروعه التي تزيد عن 100 فرع في سوريا؛ كونه المسؤول عن بيع بذار القمح للفلاحين، وتأمين السماد لهم، وحتى نضمن للفلاح عدم تأثره بالتضخم كما حدث في العام الماضي حيث ارتفع سعر كيس السماد من 150 ألف إلى 400 ألف ليرة، وكيلو بذار القمح أيضاً، نقترح تحويل أرصدته ثمن القمح المباع من الليرات السورية إلى عملات صعبة بسعر صرف المركزي، وهنا نحافظ على أرصدته بالعملات الصعبة ضمن المصرف الزراعي، ونضمن عدم تأثر أسعار مستلزمات الانتاج للموسم المقبل، ويتم صرف مصروفه الشهري بالليرات السورية وفق سعر صرف المركزي من رصيده المدور بالعملات الصعبة، ويتم منح فوائد بالعملات الصعبة أيضاً على المبالغ المودعة للفلاح.
أولاً: المحافظة على الكتلة الكبيرة المقدرة إذا كانت الغلة هذا العام فقط مليون طن بحوالي 5.5 ترليون ليرة سيتم ضخها في الأسواق خلال شهر واحد، وهذه الكتلة حجمها أكثر من 360 مليون دولار أمريكي، والطلب عليها في ظل هذه الظروف ستزيد من التضخم وبالتالي يتحول الإنتاج في سوريا إلى تضخم ومعاناة للناس.
الترصيد بالعملة الصعبة
ثانياً: عندما يعلم الفلاح أن أرصدته تم المحافظة عليها من التضخم خلال العام فهو يستطيع أن يسدد ثمن سيارة وعقار ومصاريف أولاده في الجامعات وغيرها من حسابه الجاري بالدولار الأمريكي وفق نشرة المركزي، وسيخفف الأعباء عن الطلب المتزايد على الدولار أو الذهب، ويسحب مصروفه الشهري أي المبالغ المرصودة يتم سحبها على مدار العام وخزينة الدولة تستفيد من تقليبها في البيع الشراء، وتحافظ على قيمتها ولا يوجد خسارة للخزينة هنا حتى في حال ارتفع سعر صرف المركزي قليلا كون الفارق سيتم تحصيله من ضرائب ورسوم حقيقية على المبيعات، والأهم من كل ذلك الحد من التضخم الذي يفرضه الواقع بالطلب الكبير وخلال فترة قصيرة على مئات ملايين الدولات.
ومن خلال نظرة بسيطة لتسويق القمح خلال الأعوام السابقة نجد أن المصرف الزراعي خصص في عام 2020 مبلغ 450 مليار ليرة لشراء 2.5 مليون طن، وكان سعر الكيلو في حينها أقل من ألفين ليرة، وفي العام 2021 خصص المصرف 500 مليار ليرة وكان سعر الكيلو 2800 ليرة، بينما اليوم سعر الكيلو 5500 ليرة والمبالغ المخصصة أكثر من ترليون ليرة والمنافسين يدفعون ثمن القمح المسروق من غلة الدولة بسعر الصرف في السوق السوداء ولا بد من التحرك للحفاظ على الفلاح.
تأمين المستلزمات
إن موسم القمح الاستراتيجي بالنسبة للدولة خسارة كبيرة يتم صرفها على تأمين المازوت الزراعي، والبذار المعقم والمغربل، والسماد المدعوم، والإرشاد الزراعي، وقروض الخدمة للمحصول، والمحروقات للحصاد والتسويق، ومن حق الخزينة أن يكون المحصول بالنسبة لها إنعاش اقتصادي وليس تضخم بالقيمة، وهذا يتطلب في الدرجة الأولى المحافظة على قيمة المبالغ المسلمة للفلاحين حتى يضمن الفلاح تركها في رصيده الجاري بالمصرف بدلا من سحبها وإنعاش السوق السوداء للصرف.
كما يمكن للمصرف الزراعي تقديم المحفزات والمغريات لكل من يقبل بتحول رصيده إلى سعر الصرف بمنحه الأفضلية في تركيب الطاقة الشمسية، والأفضلية في الحصول على السماد، والأفضلية في الحصول على المازوت المدعوم، وعلى القروض، وبدوره يقوم المصرف بتأمين حاجات الفلاحين ويعزز مخازينه، وهنا تكون إدارة الكتلة المالية ضمن الأرصدة تتم وفق نظرية “رابح رابح” وسنوفر الطلب المتزايد على القطع الأجنبي والذي سينعكس على سعر الصرف من جهة، و يتيح الخيارات للحكومة لتمويل المواد الهامة والضرورية لزيادة الطاقات والقدرات الإنتاجية.