الواسطة سرطان سوري غير قابل للشفاء
دمشق ..
يستيقظ المسؤول السوري يوميا على هواتف ورسائل وزيارات من الاقارب والاصدقاء والمعارف من أجل تقديم المساعدة والتوسط والتدخل لصالح فرد ما دون الالتزام باصول التعليمات النافذة للعمل أو الكفاءة المطلوبة للتعيين ودون ان يكونوا مستحقين لها .
وعندما تستمع الى مجالس من يطلبون الواسطة واستنكارهم التوسط وشجبهم اعطاء من ليس له حق فرصة غيره ومناداتهم لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب تتأكد ان سرطان الواسطة تغلغل في المجتمع السوري بأكمله دون استثناء من جهة يسجبها ومن جهة اخرى يسعى اليها من ابسط اعماله من دخول المشفى الى الجامعة الى الوصول الى المنصب الى نقله من مكتب الى اخر ومن مقعد الى اخر وتلقائيا يبحث السوري عن المعارف والواسطة حتى ولو لم تكن معاملته بحاجة اليها .
الواسطة موروث تاريخي استقر في جينات المواطن السوري ويعكس عدم الثقة بمن يطبق الانظمة والقوانين وعدم قناعته بوجود مبدأ للعقاب والثواب بل استسهل الامر وتفه وجود اية خبرة او قيمة للعلم والجد وأعطى فئة من المجتمع شحنة من الانانية والتسلط بأن افكارها هي السائدة فقط دون اخذ ادنى اعتبار الى ابداع الاخرين مما ترك هذا السرطان حالة من الترهل وضعف الانتاجية والحس بالمسؤولية أو اي دافع للانتاج كون طريق الوصول هو الواسطة وليس الخبرة .
وعند الانتظار في مكاتب المسؤولين تجد اثارها الواضحة وممارستها على نطاق واسع واصبحت عرفا وعادة يمارسها الوجهاء والنواب والتجار والصحفيين والفنانيين وغيرهم ويقبلها المسؤول برحابة صدر ورضى باعتبارها خدمة وخاصة اذا كانت صاحبة الواسطة من الجنس اللطيف ولطيفة الطلة وتصافح بمحبة .
صحيح ليس لدينا احصائيات على ترتيب الواسطة على سلم انواع الفساد والحكومة عازمة دائما على محاربة الفساد بكل اشكاله وانواعه لكن سورية تتنافس للوصول الى المرتبة الاخيرة في الفساد العربي والعالمي وهذا يؤكد أن سرطان الواسطة مستشري ولا يمكن محاصرته بالاشعة النووية ولا بالنية والعزم ولا بالتضرع والدعاء .
رجال الدين الذين يعتبرون انفسهم سندة الحق عند اجابتهم عن حكم الواسطة يجدون مخرجا لها كونهم رضعوها مع العادات والتقاليد ويقولون ” إذا لم يترتب على الواسطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة ، بل مرغب فيها شرعاً”
وسرطان الواسطة وصل اليوم من خلال مفرزات الازمة في سورية الى عتبة لا يمكن التعايش معها ولا السكوت عنها بالرغم من سهولة الفضيحة وتغيير ثقافة المجتمع وإقناع المواطن بان حقه سيصله بدون توسط ضربا من الخيال والتغني بتطبيق القوانين والانظمة والمواطنة يعزز انتشار الواسطة ويفقد الامل بالشفاء من السرطان .
الخبر