باريس تُزاحم أنقرة في سوريا
في لقاء يُعتبر متمّماً للقاءين سابقين أُجريا في العقبة والرياض، استضافت باريس مؤتمراً حول سوريا، وسط حضور إقليمي ودولي وازن تقدّمه وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، في أول تمثيل لسوريا في لقاء دولي غربي رفيع المستوى، بعد مشاركته الشرفية، الشهر الماضي، في «منتدى دافوس». وأصرّت فرنسا على إعطاء المؤتمر الذي حمل شعار «العدالة والمساءلة في الانتقال السياسي في سوريا»، زخماً كبيراً عبر مشاركة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي أعلن عن منحة مالية لسوريا بقيمة 50 مليون يورو، بنفسه فيه.
باريس تُزاحم أنقرة في سوريا
وخلال كلمته، ركّز الرئيس الفرنسي الذي تخوض بلاده صراعاً مع تركيا التي تحاول الاستئثار بالملف السوري، على مقترح من شأنه أن يقوّض مساعي أنقرة لخلق تحالف رباعي (تركي – عراقي – أردني – سوري) لمحاربة تنظيم «داعش»، ليكون بديلاً من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تعمل تركيا على حلّها. ويقضي المقترح الفرنسي بانضمام القوات السورية إلى الجهود الدولية في إطار التحالف الدولي ضد «داعش»، وهو ما تزامن مع دعوات ماكرون إلى دمج «قسد» في الجيش السوري، الذي رأى أنه «سيساعد على مواجهة الإرهاب»، مؤكداً أن باريس ستتابع جهودها لرفع العقوبات عن سوريا، في إشارة إلى المساعي الألمانية – الفرنسية لرفع العقوبات وفق «خريطة طريق» تهتدي بمبدأ «خطوة مقابل خطوة».
ويأتي هذا علماً أن تلك المساعي لاقت قبولَ معظم دول الاتحاد الأوروبي، باستثناء اليونان وقبرص، اللتين أبدتا تخوّفهما من عدم وجود ضمانات، حسبما نقلت صحيفة «بوليتكو» عن مصادر دبلوماسية، أكدت أن الدولتين العضوين في الاتحاد الأوروبي «تريدان ضمانات بأن العقوبات التي يعتزم الاتحاد رفعها يمكن استبدالها بسهولة إذا لزم الأمر». وقال أحد الدبلوماسيين، للصحيفة، إنه «إذا لم تغيّر الإدارة الجديدة في سوريا من موقفها فلن نتمكن من المضي قدماً»، مشيراً إلى أن «النص (المتعلق برفع العقوبات) قيد المناقشة في مجموعة العمل ذات الصلة، ونأمل أن نتمكن من الانتقال إلى الخطوة التالية من العملية قريباً».
وبينما يعتبر لقاء باريس استكمالاً لجهود عربية – غربية مشتركة، بدأت في لقاء العقبة في كانون الأول، ولقاء الرياض في كانون الثاني، يكشف إصرار فرنسا على تصدّر هذه الجهود عن مساعيها المستمرة للاستحواذ، قدر الإمكان، على الملف السوري، بحجة «حماية الأقليات»، و«محاربة الإرهاب»، إلى جانب تصدرها الجهود المبذولة لرفع العقوبات، وذلك بمواجهة تركيا، التي تعتبر المتحكم الأبرز بالملف السوري، والتي أعلنت تعيين ملحق عسكري في سوريا، في سياق عمليات إعادة هيكلة القوات السورية التي تشرف عليها.
تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية
وفي هذا الإطار، أكدت وزارة الدفاع التركية، في بيان بشأن التقارير المتعلقة بسيطرة الإدارة الجديدة في سوريا على منطقة عفرين بعد إنهاء نفوذ «الجيش الوطني السوري»، أن «أولويتنا هي تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية»، لافتةً، على لسان الناطق باسمها، زكي أكتورك، إلى أن هناك «توافقاً في الرؤى بين بلادنا والإدارة الجديدة في سوريا بشأن هذا الهدف». وأضافت أن الوزارة مستمرة في العمل على تعيين ملحق عسكري في سوريا، موضحة أن «هذا الإجراء سيتم قريباً جداً»، وأنه «إذا اقتضت الضرورة، قد يتم إجراء تغييرات في مواقع وحداتنا الموجودة في سوريا».
وسبق المؤتمر، لقاء أجراه الشيباني بنظيره الفرنسي، جان نويل بارو، الذي أعلن أن اللقاء لا يهدف إلى جمع المساعدات لسوريا، وإنّما للتمهيد لهذه الخطوة، التي من المنتظر المضي فيها في لقاء بروكسل الذي ينعقد في الثالث من آذار المقبل، مشيراً إلى أن بلاده ستعمل على مساعدة سوريا، ولكنها تحتاج إلى ضمانات، في إشارة إلى ضرورة تحقيق انتقال سياسي يشمل جميع السوريين، ويضمن حقوق الأقليات.
وفي تزامن مقصود مع لقاء باريس، أعلنت الحكومة البريطانية عزمها تعديل نظام العقوبات التي تفرضها على سوريا. وقال وزير أوروبا وأميركا الشمالية والأقاليم الخارجية البريطاني، سيفان دوغتي، في بيان، إن بريطانيا ستجري تحديثاً بشأن مستقبل العقوبات التي فرضتها على سوريا، بعد السقوط المرحّب به لنظام الأسد. وتابع: «تظل العقوبات أداة قوية في السياسة الخارجية والأمنية، وتلتزم الحكومة بتعظيم تأثيرها، بما في ذلك مراجعة استخدامها في ضوء الظروف المتغيرة». وعزا الوزير البريطاني هذه الخطوة إلى دعم الشعب السوري في إعادة بناء بلده وتعزيز الأمن والاستقرار، على أن تشمل تلك التغييرات تخفيف القيود المفروضة على قطاعات الطاقة والنقل والتمويل، وتوفير المزيد من الدعم لتقديم المساعدات الإنسانية.
لجنة الحوار السوري
في غضون ذلك، أعلنت اللجنة المصغّرة التي قام بتشكيلها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، للتحضير لمؤتمر الحوار، والتي لاقت انتقادات واسعة في المجتمع السوري بسبب خلفية أعضاء اللجنة المقربين من «هيئة تحرير الشام»، أنها لن تقبل تمثيل أي فصائل عسكرية أو قوى على الأرض، في إشارة إلى استبعاد «قسد» والفصائل التي رفضت حل نفسها والانضمام إلى وزارة الدفاع الناشئة من الحوار. وقال المتحدث باسم اللجنة، حسن الدغيم، إن اللجنة بدأت أعمالها «مستندةً إلى المرحلة السابقة ومستلهِمةً منها في إعداد الآليات المتعلقة بإدارة المضامين أو الإدارة التقنية»، مضيفاً، خلال مؤتمر صحافي، أنه «عندما تنضج عملية التواصل وإعداد الأوراق الأولية للتنفيذ، ستتم الدعوة إلى مؤتمر الحوار الوطني».
وتابع أن «مشاركة المحافظات في المؤتمر ستتم بعد الاجتماع بالمواطنين في كل محافظة للوقوف على خصوصياتها واختيار الشخصيات الوطنية القادرة على تمثيل مصالحها»، مشيراً إلى أن «البلاد، بعد تعطيل دستور 2012، بحاجة إلى ملء الفراغ الدستوري من خلال إعلان دستوري». ورأى أن «اللجنة ستراعي التنوع السوري، وستركز على الحوار لتبادل الآراء، وليس لاستعراض القوى العسكرية، ولا مكان للمحاصصة الطائفية في المؤتمر، فيما يبقى الحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً هو الهدف الأساسي»، متابعاً أن «أعضاء اللجنة هم خبراء أمضوا سنوات عديدة في إدلب وحلب، وأداروا عمليات حوار، ويملكون معرفة واسعة بالمجتمع السوري تمكّنهم من اختيار الشخصيات المناسبة من جميع المحافظات»، وفق تعبيره.
الأخبار
صفحة الفيس بوك:https://www.facebook.com/narampress?locale=ar_AR