تفاصيل الموقف التركي من سوريا ومن وجود اسرائيل وروسيا
اعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من تفاصيل الموقف التركي من سوريا ومن وجود اسرائيل وروسيا أن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد يساهم في استقرار المنطقة، وأن التصرفات الإسرائيلية في سوريا “خطيرة وغير مقبولة”، مؤكداً أن بلاده لن تطلب من اللاجئين السوريين في تركيا، مغادرة أراضيها.
وعبَّر فيدان في “مقابلة خاصة” مع “الشرق” عن رفض تركيا ودول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية، ومصر، والأردن، والعراق، للموقف الإسرائيلي بشأن سوريا، في ظل توغلها العسكري داخل الأراضي السورية في أعقاب سقوط نظام الأسد.
وقال الوزير التركي: “يقلقنا من جهة أن هناك تناقضاً بين الذرائع السياسة الإسرائيلية إبان التواجد الإيراني في الفترة الماضية، وبين ذرائع سياساتها الراهنة، التي انتفت الآن”.
الموقف التركي من سوريا
ويرى فيدان أن “الحملة الإسرائيلية في هذا التوقيت باحتلال أراضٍ في سوريا والتقدم إلى نقاط معينة، ونشر عناصر عسكرية، وإنشاء قواعد فيها رغم تأكيدات الإدارة السورية الجديدة بأنها لن تشكل تهديداً لأحد، تُعد استفزازاً، وبصفتنا دول المنطقة مع المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، والعراق نرفض الموقف الإسرائيلي”.
وتطرق إلى التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة فيما يتعلق بأطراف المعارضة، وتحديداً في السويداء أو درعا، وغيرها من مناطق، قائلاً: “دمج الفصائل في مظلة عسكرية واحدة تمتلك مشروعية حمل السلاح واستخدام القوة، يُعد من أهم الملفات أمام الإدارة الجديدة، إذ إن وجود مجموعات مسلحة مرتبطة بجهات مختلفة تمهد لحرب أهلية، ولا يمكن تقبل ذلك”.
وتابع: “ينبغي أن تجتمع قوى المعارضة التي عارضت نظام الأسد سواء في الجنوب، أو المجموعات التي ساندتها تركيا في الشمال وهيئة تحرير الشام تحت مظلة الجيش الوطني، باستثناء وحدات حماية الشعب الكردية التي ذهبت إلى طريق التصالح مع الأسد”.
ولفت إلى أن “أنقرة طالبت الفصائل الموجودة في الشمال، الموالية لها والذين يتجاوز عددهم 80 ألف مقاتل للانضواء تحت مظلة الجيش الوطني والحيلولة دون ظهور اضطرابات في البلاد، وآمل من مجموعات الجنوب في درعا والسويداء أن يسيروا على هذا المنوال”.
الفصائل الكردية في سوريا
وعن وجود “شروط” من تركيا مقابل الدعم المقدم لسوريا، قال فيدان: “نحتاج إلى معادلة تضمن بقاء معتقلي داعش في السجون، وتخلّي وحدات حماية الشعب الكردية عن الأنشطة الإرهابية وحفظ حقوق الأكراد”، وفق تعبيره.
وأوضح أن المعادلة تتمثل في “تخلّي وحدات حماية الشعب الكردية عن أسلحتها، وأن تتولى الإدارة السورية الجديدة في دمشق شؤون معتقلات داعش، ونحن مستعدون لتقديم الدعم، وخاصة أن أولوية أميركا هي ضمان عدم خروج هؤلاء المعتقلين من السجون”.
وعن دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” وكيفية تأثير هذا على العلاقات مع واشنطن والفصائل الكردية، أشار إلى أنه بعد 8 ديسمبر (يوم سقوط نظام الأسد) أخذ التقارب لهذا الأمر بُعداً جديداً، “يعني تولّي الإدارة الجديدة لحكم سوريا، وتمثيل المعارضين للشعب”.
وشدد على أنه “لا يمكن أن تتمسك وحدات حماية الشعب الكردية بسلاحها، فهذه مشكلة سورية بحد ذاتها، وفيما يتعلق بالمشكلة التي تعني تركيا فإن هذه الوحدات هي امتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، الذي يضم أكثر من 2000 عنصر إرهابي أجنبي من تركيا وإيران وأوروبا”.
الإدارة السورية الجديدة
وتحدَّث فيدان عن مطالب وتطلعات تركيا والمجتمع الدولي من الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، قائلاً إنها تتمثل في “تجنُّب الإدارة السورية الجديدة أية خطوة من شأنها أن تشكل تهديداً لمحيطها، وأن لا تترك أي مجال للمنظمات الإرهابية مثل داعش وحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى حُسْن معاملة الأقليات في البلاد، وتشكيل حكومة شمولية، وتأمين الوحدة الوطنية والاستقلال السياسي.. كل من يزور دمشق يؤكد على هذه المطالب، وهذا ما نترقبه منها”.
ومضى يقول: “سوريا كانت تعاني حرباً أهلية استمرت 14 عاماً، وإن كانت السنوات الست أو السبع الأخيرة منها صراعاً مجمداً، ولا شك أن انتهاء هذه الحرب الأهلية، وأفول نظام الأسد التعسفي، وظهور بنية تمهد الطريق أمام حكم الشعب، تطور مهم لأمن واستقرار تركيا والمنطقة برمتها، ونعمل للحيلولة دون وقوع صراعات في المنطقة، وإنهاء المستمرة منها، وإرساء السلام والقيام بالنهضة الاقتصادية”.
وعبَّر عن أمله في أن تكون الأزمة السورية آخر الأزمات التي تشهدها المنطقة، لافتاً إلى أن “وجود أنظمة لا تقدِّم الرفاه لشعوبها وتؤجج حدة الصراعات والتفرُّق؛ تؤدي إلى مثل هذه النتائج المؤسفة، كذلك تدخُّل القوى الأجنبية بشكل متزايد في شؤون المنطقة، وعمل بعضها على حماية مصالح دول أخرى في المنطقة تولِّد أمثال هذه النتائج”.
وشرح المسؤول التركي كيفية التنسيق مع الإدارة السورية الجديدة، قائلاً إن أنقرة أنشأت آلية داخلية للتنسيق في مجالات عدة كالمواصلات والطاقة، والصحة، ولإيصال المساعدات، إذ لدينا حدود مع سوريا بطول 911 كيلومتراً مع سوريا.
العلاقات التركية الإيرانية بعد الأسد
وقال فيدان إن سقوط نظام الأسد “ينبغي أن يؤثر بشكل إيجابي على علاقاتنا مع إيران، خاصة بعد زوال السبب الذي أدى إلى استقطاب الجانبين في سوريا، فإيران ليست في سوريا الآن، ولم تعد جزءاً من الحالة السلبية بالنسبة لتركيا، وبالتالي خرجت دمشق من بوتقة الخلاف بين أنقرة وطهران”.
كما يرى أن “هناك فرصة لتطوير العلاقات بين تركيا وإيران، وفي الوقت نفسه فرصة لطهران لإعادة ضبط علاقاتها الخارجية في المنطقة، وأترقب قيام المسؤولين الإيرانيين باستغلالها”.
التواجد الروسي في سوريا
وبشأن ما إذا كانت تركيا عملت على إقناع روسيا بالتخلي عن نظام الأسد، رغم أنها كانت من أكبر الداعمين له، أجاب فيدان بكلمة واحدة: “تحدَّثنا”.
وبسؤاله عن الثمن الذي تنتظره روسيا مقابل هذا التخلي، رد قائلاً: “لا يمكننا الحديث باسم الإدارة السورية الجديدة والشعب السوري، فالقرار بين أيديهم، والواقع أن ما تترقبه موسكو من دمشق واضح، وهو وضْع قواعدها العسكرية، وقد سُئل أحمد الشرع عن مصير هذه القواعد وأجاب عليه، وأرى أن هذا الملف سيدار بشكل مناسب لاحقاً مع مرور الوقت”.
وعن كيفية تعامل تركيا مع الوجود الروسي في الساحل السوري بعد سقوط الأسد، نوَّه فيدان إلى أنه ينبغي لموسكو والإدارة السورية الجديدة إجراء مزيد من التعديلات، مبيّناً: “لست في وضع يسمح لي بإبداء رأيي بشأن العلاقات التجارية بين البلدين، وحجم الامتيازات الممنوحة لروسيا خلال فترة الأسد”.
وقال: “ما أعرفه أنه قبل بضعة أيام اتصل بي (وزير الخارجية الروسي سيرجي) لافروف، وتحدَّث بشأن سوريا، وبيّن أنهم عازمون على مباشرة علاقات جديدة قائمة على المساواة، وأنهم ينتظرون مساهمة الجانب التركي بشكل إيجابي في هذا الصدد. بطبيعة الحال يأتي هذا بطلب من روسيا فيما تقوم الإدارة السورية الجديدة بتقييم هذا الطلب، وبهذا تستمر العلاقات بين هاتين الدولتين، والتي يمكن النظر إليها بإيجابية في ظل احترام كل طرف لسيادة الآخر”.
وفي مقابلة سابقة مع قناة “العربية”، اعتبر الشرع أن روسيا التي وصفها بـ”ثاني أقوى دولة في العالم”، “لها أهمية كبيرة”، مشيراً إلى أن إدارته “لا تريد أن تخرج روسيا من سوريا بطريقة لا تليق بعلاقة الجانبين. لسوريا مصالح استراتيجية مع روسيا”.
من جانبه، قال وزير الخارجية سيرجي لافروف، الجمعة، إن بلاده منفتحة على الحوار مع الإدارة السورية الجديدة بشأن جميع القضايا، بما فيها القواعد العسكرية.
وأضاف لافروف أن القواعد الروسية في سوريا ربما يتم منحها مؤقتاً “دوراً إضافياً لتعمل كمراكز إنسانية مع مراعاة احتياجات سكان البلاد”.
التعامل مع إدارة ترمب
بالنسبة للولايات المتحدة، أوضح فيدان أن “لدينا قضايا نختلف بشأنها، وعلى رأسها سياسة واشنطن في سوريا، والتي بدأت في عهد الرئيس (السابق باراك) أوباما، حيث كانت أميركا وتركيا تدعمان المعارضة السورية فاعتذرت الأولى عن هذا الدعم وبيَّنت أنها ستتفرغ لمواجهة تنظيم داعش، وغيَّرت المفهوم، وهي بذلك أشعلت دون أن تعلم فتيل أزمة جيوسياسية”.
وأكمل حديثه قائلاً إن واشنطن “ساندت منظمة إرهابية أخرى متمثلة في حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية لضرب داعش وحراسة معتقليهم، وقد بيَّنا للولايات المتحدة أن هذا التصرف خاطئ، وأنه يمكن مواجهة داعش بطرق أخرى، وأخبرناهم أن هذا يشكل خطراً على أمننا القومي وكانوا على علم بذلك”، على حد قوله.
كما استشهد بإدراج الولايات المتحدة لحزب “العمال الكردستاني” على قائمة “المنظمات الإرهابية”، ورصدها مكافآت مالية بـ5 ملايين دولار لمن يأتي بقادة الجماعة الكردية، مذكّراً أن “أوباما سبق وقال إن هذا التعاون مؤقت، ثم جاء ترمب وعمل على إنهاء هذا التعاون والدعم، لكن بعض الجهات في الإدارة الأميركية آنذاك عارضت ذلك، ونتيجة لذلك بدأ الرئيس الجمهوري خلال ولايته الرئاسية الجديدة في تعيين شخصيات تمكنّه من تمرير أفكاره وتعليماته”.
اقرأ أيضا:الشمال السوري على عتبة الانفجار تركيا تسعى لتشكيل مرجعية موحّدة للمسلحين
ورداً على سؤال بشأن التحديات والفرص في العلاقات بين تركيا والإدارة الأميركية الجديدة، قال فيدان إن الرئيس دونالد ترمب عاد إلى السلطة بحزمة من التغييرات التي يمكن وصْفها بـ”الراديكالية”، منبهاً إلى أن الأوامر التنفيذية التي وقَّعها في ليلة تنصيبه تنبئ بحجم التغييرات الكبيرة الوشيكة مما سيكون لها ارتدادات على الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والخليج العربي وإفريقيا والأميركيتين الشمالية والجنوبية.
واستشهد بما وصفها بـ”علاقة قديمة” بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي ترمب، وهو ما قد يمهد الطريق أمام تعزيز العلاقات الثنائية، مشيراً إلى أن أنقرة تهدف إلى علاقات خارجية مثمرة ومتجانسة”.
ملف اللاجئين السوريين
ودافع فيدان عن موقف تركيا من أزمة اللاجئين السوريين قائلاً: “هم ضيوفنا ولن نقول لهم عودوا”، لكنه أكد في الوقت ذاته أنهم يعملون على تهيئة الظروف داخل سوريا لتمهيد عودتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للإدارة السورية الجديدة، والمجتمع الدولي.
وأشار إلى أن “هناك أكثر من 10 ملايين سوري لجأوا إلى دول متعددة، ينبغي عودة هؤلاء حتى تنهض سوريا وتنتعش الحياة الاجتماعية والثقافية، وكلما تحسنت الظروف في سوريا أرى أن عجلة العودة إليها ستتسارع”.
التنسيق مع السعودية
وتعليقاً على مدى التنسيق السعودي التركي بشأن سوريا، قال فيدان، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الاستخبارات التركية، إن هناك اتصالات مكثفة مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وخاصة حول ماهية التنسيق والإجراءات التي يمكن اتخاذها، و”ننسق هذا الأمر من كثب”.
وأكد وزير الخارجية التركي أنه لا يوجد أي تباين للآراء بين الرياض وأنقرة بشأن ما هو مرتَقَب من الإدارة السورية الجديدة والإجراءات المتخذة في هذا السياق، مشيداً بالدور الفعَّال الذي لعبه الأمير فيصل بن فرحان في هذا الإطار.
اقرأ أيضا:تركيا وإيران مختلفتان حول «حلب»
وحول زيارته المرتقبة إلى السعودية في 28 يناير الجاري، أشار فيدان إلى العلاقات الوطيدة بين البلدين، مؤكداً أن “تطوير هذه العلاقات على ضوء التطورات الإقليمية والدولية بات ضرورة مُلحّة. وهناك مساعي لتعزيز هذه العلاقات وتعظيم الاستفادة منها بما يسهم في زيادة أمن ورفاه بعضنا على أكمل وجه”.
ولفت إلى أن تركيا تبحث مع الجامعة العربية ودول الخليج ومنظمة التعاون الإسلامية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية سبل النهوض بسوريا، منبهاً إلى الدور الحيوي الذي تلعبه دول المنطقة، وخاصة السعودية، ومصر، والإمارات وقطر والأردن، في هذا الصدد.
وأكد أن بلاده تعمل مع دول المنطقة على تطوير سياسة تقوم على إعطاء الأولوية لإرساء الاستقرار في المنطقة، “إذ حفلت الفترة الماضية بالحروب والتشرذم والاضطرابات وتشرُّد الملايين”.
وقف إطلاق النار في غزة
وفيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين بين حركة “حماس” وإسرائيل في غزة، والذي دخل حيز التنفيذ في 20 يناير الجاري، أجاب الوزير التركي قائلاً إنه “كان يمكن التوصل للاتفاق قبل وقت طويل”، معتبراً أنه بمثابة المرحلة الأولى لإنهاء المعاناة الفلسطينية.
وشدد على ضرورة العمل من أجل التوصل إلى “حل الدولتين” بشكل عاجل؛ لتجنب تكرار الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني مرة أخرى، منوهاً بأنه “لا ضامن لتكرار هذه المأساة ما لم تتحقق آمال الفلسطينيين بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة”.
ومضى قائلاً: كان هناك تنسيق رفيع بين السعودية وتركيا سواء ضمن مجموعة الاتصال الوزارية المشتركة بشأن غزة أو خارجها، مشيداً بدور الوسطاء الذين ساهموا في إتمام اتفاق وقف إطلاق النار، وفي مقدمتهم مصر، وقطر.
وتابع: “تعلمون أننا نتحدث عن مجزرة وتطهير عرقي أودى بحياة 50 ألف مدني ما بين امرأة وطفل، وتشريد نحو مليونين آخرين وتُركوا بلا مأوى، وتم تدمير البنية التحتية والفوقية لغزة”.
الشرق
صفحة الفيس بوك :https://www.facebook.com/narampress?locale=ar_AR