اخترنا لكمعرب وغرب

جيمس جيفري: ترمب يصغي لأصدقائه العرب وعليهم إقناعه بأهمية سوريا

عمل جيمس جيفري مبعوثاً خاصاً للرئيس ترمب إلى سوريا بين عامي 2018 و2020، واليوم لا يشغل منصباً في إدارته الثانية، لكنه يحرص بشدة على أن يُستمع إلى نصائحه حول الوضع الجديد في الشرق الأوسط، وتحديداً سوريا التي يعتبرها الآن القضية الأولى في المنطقة.

من يلتقي السفير الأميركي السابق جيمس جيفري وجهاً لوجه، سرعان ما يدرك أن الفارق ضئيل بين أسلوبه في اللقاءات الخاصة وحديثه أمام وسائل الإعلام، فالرجل الثمانيني الذي خدم مع جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترمب معروف بصراحته ولغته المباشرة. التقيته للمرة الأولى في صيف عام 2023 خلال محاضرة مغلقة قدّمها في “معهد واشنطن”، حيث كنت الأجنبي الوحيد في غرفة تعج بأميركيين يعملون في شؤون الشرق الأوسط. جلست في آخر الطاولة المستديرة لكن قبالته تماماً، مما جعلني عرضة لسؤال مباغت منه عن انطباعي أو فهمي لما طرحه. أجبته ولا أعلم إن كنت مقنعاً، لكنَّ ما أدركته في تلك اللحظة أن جيمس جيفري يحب أن يصغي له الآخرون، وكأي دبلوماسي مخضرم يحرص على وصول صوته، وهذه الأيام ثمة رجل بعينه يود جيفري أن ينصت إلى توصياته وهو دونالد ترمب.

عمل جيمس جيفري مبعوثاً خاصاً للرئيس ترمب إلى سوريا بين عامي 2018 و2020، واليوم لا يشغل منصباً في إدارته الثانية، لكنه يحرص بشدة على أن يُستمع إلى نصائحه حول الوضع الجديد في الشرق الأوسط، وتحديداً سوريا التي يعتبرها الآن القضية الأولى في المنطقة، أي أهم من البرنامج النووي الإيراني والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وعندما تواصلت معه لإجراء مقابلة تركز على سوريا الجديدة وهمومها وتطلعاتها في محيط ملتهب، لم يتأخر في الرد بقبول الحوار الذي حرص فيه على توجيه رسائل للإدارة الجمهورية وحلفائها الإقليميين، ومفادها ضرورة الأخذ بيد سوريا نحو المستقبل حتى لا تعود للماضي أو أسوأ منه.

“ترمب يصغي لأصدقائه العرب”

في حديثه مع “اندبندنت عربية”، أكد جيفري أنه يؤمن بأن الحلفاء العرب لواشنطن، مثل السعودية وقطر، يدركون حساسية اللحظة التاريخية، لكن التحدي الحقيقي كما يرى يكمن في إقناع ترمب نفسه بأن سوريا تستحق موقعاً متقدماً في أجندة أولوياته المتضخمة.
وقال السفير السابق إن “دونالد ترمب يصغي جيداً إلى أصدقائه العرب، وسيستمع إليهم في شأن سوريا إذا جعلوها أولوية قصوى على جدول الأعمال، أما إذا جاءت سوريا في المرتبة الخامسة أو السادسة فلن تحظى بأي اهتمام منه”، مشيداً بالإعلان السعودي – القطري المشترك بسداد ديون سوريا لدى البنك الدولي.

اقرأ أيضا:ترامب يتحدث عن مفاجأة قريبة في الشرق الأوسط

وأضاف في المقابلة التي أجريت ضمن برنامج “حوارات أميركية”، “العرب يلعبون دوراً بالغ الأهمية، وأحثهم على استغلال نفوذهم الكبير لدفع إدارة ترمب نحو التركيز على سوريا”، مسترسلاً أن “الدول الإقليمية كانت عنصراً حاسماً في إستراتيجية إدارة ترمب الأولى، إذ عملنا مع مجموعة مصغرة على ملف سوريا ضمت مصر والسعودية والأردن، وتمكنا من الحفاظ على قدر كاف من الوحدة.، لكن الإماراتيين غيروا موقفهم وحاولوا التقارب مع الأسد، ليس حباً فيه بل اعتقاداً منهم أن ذلك قد يقنعه بطرد الإيرانيين، لكننا اختلفنا معهم في هذا التقدير وبالطبع لم يتحقق ما كانوا يأملونه”.

“لحظة بأهمية حرب 73 وتحرير الكويت”

في مايو (أيار) 2023، عادت سوريا للجامعة العربية وحضر بشار الأسد وكانت المطالب العربية واضحة وفي مقدمها كبح النفوذ الإيراني والسماح للاجئين بالعودة من دون استهدافهم، ويقول جيفري إن الأسد لم ينفذ تلك المطالب ولم يتخذ أي إجراء ضد الإيرانيين، واستمر في سياساته الوحشية ضد شعبه مما قاد إلى سقوطه في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وهذا السقوط لم يكن مجرد نهاية للنظام بل يعتبره السفير السابق “هزيمة لإيران وانتصاراً للشرق الأوسط”.

لو كنت أمام ترمب اليوم فماذا ستقول له في شأن سوريا؟

يجيب جيفري: “سأقول له إن الشرق الأوسط تمكن من هزيمة إيران بفضل القوة الأميركية والإسرائيلية والتركية والعربية على مدى عام ونصف العام الماضيين، بعدما كانت التهديد الأكبر للأمن على مدى 20 عاماً مضت، وأنت في لحظة شبيهة بما أعقب حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 أو تحرير الكويت عام 1991، ويمكنك تشكيل الشرق الأوسط بطريقة توفر السلام والازدهار لشعوب المنطقة والأمن للعالم بأسره، بما في ذلك أمن الولايات المتحدة، فلا مزيد من الإرهاب ولا من الأسلحة النووية ولا من تدفقات اللاجئين، لكن عليك اغتنام الفرصة ومواصلة العمل على دمج إسرائيل والعرب، وهذا يشمل تحركا في شأن القضية الفلسطينية وضمان بقاء سوريا موحدة وقوية، وتوحيد موقف المجتمع الدولي تجاه دمشق”.

الدور التركي لن يكون تهديداً للعرب

منذ صعود أحمد الشرع إلى سدة الحكم في سوريا، برز الدور التركي بسبب رهانها الباكر عليه، وقد ذهب ترمب إلى أبعد من ذلك عندما وصف رجب طيب أردوغان بـ “الذكي لاستيلائه على سوريا”، وهو تصريح يعمق بعض المخاوف العربية من أن نفوذ إيران في سوريا ولّى، لكنها الآن تحت رحمة لاعب إقليمي جديد، وأن الرئيس الأميركي بتلك التصريحات قد يشجع مزيداً من النفوذ التركي.

اقرأ أيضا:اللقاء بين محمد بن سلمان وترامب سيكشف الغطاء عن مستقبل سوريا

لكن جيفري الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا بين عامي 2008 و2010 يرد على تلك المخاوف بنبرة مطمئنة، مشيراً إلى أن “تركيا طرف إقليمي مؤثر لكن ينبغي التعامل معها بواقعية، وانا أعرف تركيا جيداً وأفهم أن هناك دوماً مخاوف في العالم العربي من النفوذ التركي في المنطقة، لكنني لا أرى أن تركيا ستكون بديلاً عن إيران، فتركيا تركز بشكل رئيس على أوروبا، سواء من حيث الثقافة أو الروابط الاقتصادية”.

وعرّج السفير السابق على هواجس تركيا الأمنية على حدودها الشمالية والشرقية، مثل القوقاز والبحر الأسود والبلقان، والتي يراها أسباباً كافية لعدم اعتقاده بأن أنقرة تمثل تهديداً في سوريا يشابه التهديد الذي شكلته إيران من الناحية الإيديولوجية والدينية والعسكرية في المنطقة.

رسالة ترمب الصارمة عام 2018

قاد الحديث عن تركيا جيفري إلى الدفاع عن سجل إدارة ترمب الأولى التي عمل فيها مبعوثاً خاصاً لسوريا، فعلى رغم أن ترمب ينسب الفضل في سقوط الأسد إلى تركيا، فإن جيفري يرى أنه “كان على الرئيس أن يمنح نفسه مزيداً من الفضل”، لأن السياسات التي اتبعتها إدارته الأولى أسهمت بصورة كبيرة في النهاية التي آل إليها نظام الأسد، مشيراً إلى أن واشنطن تبنت مبدأ “استقلالية القرار السوري”.

وسرد جيفري أبرز سياسات ترمب الحاسمة آنذاك، وذكر أن الرئيس الأميركي وجّه في سبتمبر (أيلول) 2018 رسالة صارمة للأسد وروسيا وإيران منعت هجوماً وشيكاً على إدلب، وتلتها لاحقا مكالمة مباشرة بين وزير الخارجية مايك بومبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف.

واعتبر السفير السابق موقف ترمب آنذاك نقطة تحول، إذ أظهر جديته في منع سقوط إدلب، لافتاً إلى أن إدارته قررت حينها إرسال مساعدات إلى إدلب دعماً للنازحين، وقال إن “ترمب منع سقوط إدلب وكان مسؤولاً عن الإبقاء على القوات الأميركية وبناء تحالف واسع لمواصلة الضغط على الأسد، وهذه السياسات وإن كانت اُستكملت بحماسة أقل في عهد إدارة بايدن، إلا أنها أسهمت في سقوط الأسد”.

“عقوباتنا قد تدفع الشرع نحو اللجوء لإيران”

أسهم جيفري في صياغة حزمة العقوبات على نظام الأسد ومنها “قانون قيصر”، لكنه اليوم يدعو إلى إلغائها بأسرع وقت، بل ويحذر من أن استمرارها قد يقود الشرع الذي قاتل إيران في الماضي إلى التحالف معها، على حد قوله، موضحاً أن “العقوبات لم تفرض لإيذاء الحكومة السورية بحد ذاتها، بل لمعاقبة الأسد ودفع النظام البعثي القديم نحو إصلاحات تفضي إلى نشوء سوريا جديدة”.

وقال السفير الأميركي السابق إن “لدينا بالفعل سوريا جديدة الآن، والمفارقة أنها تواجه ضغوطاً هائلة بسبب العقوبات، وأخشى أنه إذا لم يتمكن الشرع من الحصول على دعم الغرب والدول العربية والولايات المتحدة والمنظمات الدولية بسبب التبعات القانونية لهذه العقوبات، فقد يلجأ الشرع إلى إيران، ليس حباً فيها فقد قاتلها لأعوام، ولكن لعدم وجود أي خيار آخر، وهذا هو الخطر الحقيقي”.

اندبندت عربي -عيسى النهاري

صفحة الفيس بوك :https://www.facebook.com/narampress?locale=ar_AR

Visited 13 times, 1 visit(s) today