صحيفة : انضمام سوريا إلى التحالف الدولي يتعثّر بسبب المقاتلين الأجانب
قالت صحيفة النهار إن مساعي دمشق للانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) تعثّرت للمرة الثانية وفق ما أفادت مصادر “النهار” في كلّ من واشنطن وفرنسا وسوريا.
ورأى مراقبون سوريون أن هذا التعثّر يعكس مدى التحدي الذي تواجهه السلطة الانتقالية، في تقديم نفسها شريكاً موثوقاً به ضمن النظام الأمني الإقليمي والدولي.
ويكشف تعثّر دمشق في الانضمام إلى التحالف الدولي حجم الهوّة التي تفصل بين الغايات المتوخاة أميركياً وغربياً من وراء مطالبة دمشق بضمان عدم تحويل سوريا إلى قاعدة لنشر الإرهاب، وكيفية استجابة العاصمة السورية لهذه المطالبات بطريقة لا تساعد في تجسير الهوة بين الطرفين، وهو ما يمكن تفسيره بأحد أمرين، إما سوء تفاهم عميق بين الغرب ودمشق وإما تباعد في الإرادات السياسية بينهما.
طلب ثانٍ للانضمام والموافقة معلّقة
وأفاد مصدر ديبلوماسي فرنسي “النهار” أن باريس بذلت جهوداً بالتنسيق مع ألمانيا وبتدخل سعودي لإقناع الرئيس السوري أحمد الشرع بتقديم طلب ثانٍ للانضمام إلى التحالف، لما لهذه الخطوة من تأثير في مسار المرحلة الانتقالية في سوريا وقبول الغرب وواشنطن لها.
والتحالف الدولي ضد “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، ليس مجرد تكتل عسكري، بل هو معيار دولي لقياس التماهي مع منظومة القيم التي تتبناها القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها شرط الاحتراف المؤسساتي العسكري، والقطيعة مع منطق “الميليشيا العابر للحدود”. وفق ما قال لـ”النهار” مالك الحافظ، وهو باحث سوري في القضايا الدولية.
وعلى هامش افتتاح سفارة بلادها في دمشق في 20 آذار/مارس، دعت وزير الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، السلطات السورية للانضمام إلى التحالف الدولي، وأبلغتهم في الوقت نفسه بأن “على عاتقهم مهمة السيطرة على الجماعات المتطرفة داخل صفوفهم ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم”، في إشارة إلى أحداث الساحل السوري التي قُتل فيها المئات، وغالبيتهم من الطائفة العلوية.
وأكد مصدر سوري مطّلع أن دمشق تقدمت بالفعل قبل نحو 10 أيام بطلب ثانٍ للانضمام إلى التحالف الدولي، مستندة إلى قوة الدفع التي تمثلها الجهود الفرنسية والألمانية والسعودية، وكذلك إلى اعتقادها أنها تجاوزت اختبار التشكيلة الوزارية بأعلى نسبة ممكنة من النجاح في إطار التناقضات والضغوط التي كانت تتعرض لها.
وبحسب المصدر السوري، فإن التحالف الدولي لم يوافق على طلب دمشق لعدم توافر الأسباب التي تدعو إلى قبوله. لكن قيادة التحالف تركت الطلب معلّقاً من دون ردٍّ رسمي، وذلك لفترة محددة يمكن اعتبارها بمثابة مهلة لدمشق لتلبية الشروط المطلوبة منها.
ولاحظ الحافظ أن السعودية كانت من الأطراف الضاغطة لقبول انضمام دمشق الانتقالية، وهو ما يعكس رغبة إقليمية عربية في إدماج سوريا الجديدة في الأطر الدولية، شريطة أن تُحدث قطيعة جذرية مع ممارسات الماضي. لكن هذه القطيعة – على ما يبدو- لم تحصل.
عقبة المقاتلين الأجانب
دمشق لا تزال تراهن على أمور غير واقعية
مصدر ديبلوماسي في واشنطن، أميركي من أصل عربي أكد لـ”النهار” أن دمشق لا تزال تراهن على أمور غير واقعية لضمان اعتراف الولايات المتحدة بها سياسياً.
وذكر أن واشنطن تقدمت قبل أسابيع إلى السلطات السورية الموقتة بطلب واضح تضمن أسماء الضباط الرفيعين في الجيش السوري من حملة الجنسيات الأجنبية، والذين ترى واشنطن أن استمرارهم في مناصبهم يهدد الأمن العالمي. وأوضح المصدر أن عدد الضباط 7 وهم الذين جرى ترفيعهم بموجب القرار رقم 8 الصادر عن القائد العام، قبل أن يفوّض الشرع بالرئاسة.
واعتبر أنه ضربٌ من التذاكي أن ترفض الاستجابة للمطلب الذي قدمته واشنطن، وغرضها واضح من خلاله، وهو اختبار إمكان بناء الثقة مع الإدارة الجديدة، ثم تتقدم الأخيرة بطلب للانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وقال الحافظ تعقيبا على ما سبق: “إن إصرار دمشق الانتقالية على الاحتفاظ بقيادات أجنبية في مناصب عليا في الجيش الجديد لا يُفسَّر فقط تحديا للولايات المتحدة، بل مؤشرا لعدم استعداد حقيقي لتفكيك البُنية الفوق وطنية التي تأسس عليها جزءٌ من قوتها”.
اقرأ أيضا: ربع الشعب السوري ممنوع من السفر
وأضاف: “الأهم من ذلك أن التمنّع عن إقالة القيادات الأجنبية، رغم الطلب المباشر من واشنطن، يُرسل إشارة مؤداها أن السلطة الجديدة لا تزال أسيرة مرجعيتها الفصائلية العابرة للوطن، وأنها لم تقطع بعد مع سرديات “التمكين” العقائدي، وهو ما يُبقيها في منطقة رمادية يصعب على المجتمع الدولي أن يتعامل معها بصفتها كياناً ذا سيادة وطنية خالصة”.
والمفارقة أن قادة سوريا الجدد يعرفون بحكم تجربتهم مدى اهتمام الولايات المتحدة بملف المقاتلين الأجانب، وقد دفعت “جبهة النصرة” عام 2015 (قبل أن يصبح اسمها هيئة تحرير الشام) أثماناً باهظة نتيجة ذلك، إذ كانت أول مهمة ينفذها التحالف الدولي بعد تأسيسه أواخر عام 2014 القضاء على أعضاء جماعة “خراسان” التي كانت تعمل تحت قيادة أحمد الشرع عندما كان يقود “جبهة النصرة” باسمه القديم “أبو محمد الجولاني”.
خسارة ديبلوماسية لها تبعات
بحسب المصدر الأميركي نفسه، سبق للإدارة الجديدة في سوريا تقديم طلب للانضمام إلى التحالف الدولي في تاريخ 18 كانون الثاني/يناير، أي بعد أسبوعين من انعقاد “مؤتمر النصر”.
وجاء تقديم الطلب الثاني بعد التشكيلة الوزارية، وهو ما يوحي بأن الإدارة في دمشق تحاول الالتفاف على المطالب المتعلقة بالمقاتلين الأجانب من خلال إبراز إنجازاتها في ملفات أخرى، الأمر الذي لم يلق أي قبول أميركي حتى الآن.
وأشار الحافظ إلى أن “تبعات هذه الخسارة الديبلوماسية قد تكون عميقة، ليس فقط لأنها تُغلق باب التعاون العسكري، بل لأنها تسحب من السلطة الانتقالية فرصة ثمينة لإعادة تعريف نفسها أمام العالم، في لحظة كان يمكن أن تشكّل بداية لـ”شرعية مؤسساتية”.
وأضاف: “إن فشل السلطة الانتقالية في تحقيق اختراق عبر بوابة التحالف الدولي يعني أنها لا يزال تُنظر إليها بوصفها كياناً انتقالياً غير مؤهل بعد للاندماج في منظومات الأمن الجماعي، وهو ما يُضعف قدرتها على حشد دعم دولي حقيقي، خصوصاً في ملفات حساسة مثل مكافحة الإرهاب، وإعادة الإعمار، وترتيبات الحدود. كما أنه يُعمّق الهوة بينها وبين الرأي العام الدولي الذي ينتظر “سلوكاً انتقالياً”، لا مجرد “بنية سلطوية جديدة”.
صحيفة النهار
صفحة الفيس بوك:https://www.facebook.com/narampress?locale=ar_AR