Uncategorizedاخترنا لكمعبي بالخرج

قضية إعفاء حاكم «المركزي» عشيّة الانتخابات

دمشق..
لم تتعامل الحكومة السورية مع الانخفاض الحادّ الذي شهده سعر صرف الليرة هذه المرّة، كما فعلت في المرّات السابقة، فهي لم تكتفِ فقط باتّخاذ إجراءات مالية ونقدية غير معتادة، وإنما ذهبت إلى حدّ تغيير حاكم المصرف المركزي، وتكليف لجنة خاصّة للإشراف على إدارة ملفّ سعر الصرف. إجراءات يشي اتّخاذها قبيل أيام قليلة فقط من بدء الإجراءات الدستورية للانتخابات الرئاسية، بالأهمّية التي توليها دمشق لمعركة سعر الصرف في هذه المرحلة، باعتبارها البوابة التي يُراد من خلالها تصعيد الضغوط المعيشية على السوريين
مسألتان يتّفق عليهما السوريون اليوم: الأولى أن الضغوط الاقتصادية التي تعيشها البلاد كانت متوقّعة في هذه المرحلة، لأسباب سياسية واقتصادية مرتبطة بأكثر من حدث محلّي وخارجي، إلا أن أبرزها هو قرب موعد الانتخابات الرئاسية في البلاد؛ أمّا المسألة الثانية، فتتمثّل في اقتناع شريحة واسعة من السوريين بقدرة البلاد على مواجهة تلك الضغوط، أو على الأقلّ التخفيف من حدّتها، فيما لو أُحسن استثمار الموارد المحلية بشكل أفضل، وإدارة الملفّ الاقتصادي بطريقة تعكس خطورة المعركة التي تخوضها البلاد.
وربّما تكون التطوُّرات الأخيرة في ملفّ سعر صرف الليرة خير معبّرٍ عن تلك الهواجس. فالانخفاض المفاجئ في هذا السعر منذ أكثر من شهرين، ووصوله إلى مستويات قياسية دفعا كثيراً من وسائل الإعلام الخارجية الى «التبشير» بقرب وقوع الانهيار الاقتصادي المنتظَر في البلاد، فُسِّر رسمياً على أنه جزء من حملة الضغوط الاقتصادية التي تُمارَس خارجياً منذ عدّة أشهر على دمشق، وزادت حدّتها مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية. لكن الانتباه الى الخطر الخارجي لم يمنع الاعتراف «ضمنياً» بوجود أخطاء داخلية، سمحت لتلك الضغوط الخارجية بتوليد نتائج خطيرة، وهو اعتراف عُبّر عنه بعدّة إجراءات توزّعت على ثلاثة اتجاهات رئيسية:
– الأوّل ضبط حركة السيولة النقدية لليرة السورية بغية تخفيف المعروض النقدي، والحدّ من المضاربات على الليرة في سوق الصرف «السوداء».
– الثاني إدارة مسألة الطلب على الدولار بعقلية جديدة عُبّر عنها برفع سعر الصرف الرسمي وتحديداً سعر الحوالات، وكذلك التشدّد في تطبيق سياسة ترشيد المستوردات.
– الثالث كان في إعادة النظر بدور المصرف المركزي، من خلال تشكيل لجنة تضمّ أعضاء في مجلس النقد والتسليف، ومختصّين في التعامل مع ملفّ سعر الصرف، ومن ثمّ إعفاء حاكم المصرف المركزي، حازم قرفول، من منصبه، في إشارة واضحة إلى تحميله مسؤولية الفشل في إدارة سعر الصرف، والذي شهد في عهده انخفاضاً وصل إلى عشرة أضعاف منذ تسلّمه مهماته في عام 2019.
ولم تخرج الإجراءات الأخيرة ــــ بحسب ما يوضح المدير العام السابق للمصرف الصناعي الحكومي قاسم زيتون ــــ عن الاقتراحات التي جرى تقديمها مع كلّ انخفاض كانت تتعرّض له الليرة، واصفاً إيّاها بأنها «من بديهيّات العمل والمعالجة في مثل هذه الحالات، وحسب الإمكانيات الممكنة، وهناك فرصة لزيادة مكاسب الليرة أكثر، عبر دعم الإجراءات المتّخذة بإجراءات لاحقة إذا تطلّب الأمر».

هذه المرّة غير!
ليست هي المرّة الأولى التي يُسجّل فيها سعر صرف الدولار في السوق الموازية قفزات كبيرة تتجاوز المتغيّرات المتعلّقة بحجم الطلب المحلّي على الدولار، إذ على مدار سنوات الحرب، ولا سيما بعد منتصف عام 2013، شهد سعر الصرف حالات مماثلة كتلك التي جرت أخيراً، وفي كلّ مرة كان المصرف المركزي يتدخّل بشكل مباشر عبر ضخّ كمّيات من القطع الأجنبي بطرق مختلفة، ولا سيما خلال السنوات الستّ الأولى من عمر الحرب، وقد أثمر ذلك التدخُّل أحياناً إعادة سعر الصرف مؤقّتاً إلى ما كان عليه سابقاً، أو تثبيت سعر صرف جديد، وإن كان أقلّ من السعر الذي سعى إليه المضاربون، ولو لفترة محدودة. ومقابل ثبات العوامل الداخلية المؤثّرة على تقلّبات سعر الصرف، وهو ما كان يطرح تساؤلات مستمرّة عن سبب التباطؤ الحكومي في معالجتها، فإن العوامل الخارجية، وإن كانت قد سجّلت حضوراً منذ الأيام الأولى لتذبذبات سعر الصرف، كانت متبدّلة ومتأثّرة بحسب مجريات العمليات العسكرية والتطوّرات السياسية إقليمياً ودولياً. فإلى فترة ما، ساد اقتناع لدى العديد من المسؤولين الاقتصاديين بأن الليرة تتعرّض لضغط خارجي، مصدره إمّا بعض الدول الإقليمية أو المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. وبحسب ما يشير إليه الدكتور حسن حزوري، الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة حلب، فإن «عدم استقرار سعر صرف الليرة خلال الفترة الماضية، يعود لأسباب موضوعية وأخرى غير موضوعية، فالعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على سوريا، والتي تحوّلت إلى ما يشبه الحصار الاقتصادي مع تطبيق الإدارة الأميركية قانون قيصر، مثّلت إلى جانب تداعيات الأزمة الاقتصادية اللبنانية المتمثّلة في تبخُّر ودائع السوريين وانخفاض قيمة الحوالات الخارجية المتدفّقة للسوريين، سبباً خارجياً رئيسياً في حالة عدم الاستقرار تلك». لكنْ ثمّة أسباب داخلية تتحمّل جزءاً من المسؤولية، كما يضيف الدكتور حزوري في حديثه إلى «الأخبار»، يمكن إجمالها «بالأخطاء التي ارتُكبت سابقاً من قِبَل المصرف المركزي والسلطات النقدية والمالية وبقيت مستمرّة، كإغراق السوق السورية بالمواد المهرّبة من مختلف أنواع السلع والبضائع، وعدم ترشيد المستوردات خلال السنوات التسع الأولى من عمر الحرب بشكل حقيقي». هذا إضافة إلى المضاربات الداخلية بمستوياتها المختلفة، وعمليات تهريب القطع الأجنبي إلى خارج البلاد من قِبَل بعض أصحاب الأعمال وأثرياء الحرب.

أكثر من إعفاء
مع أن قرار إعفاء حاكم المصرف المركزي كان متوقّعاً بعد تكليف نائبه بترؤّس اللجنة المكلّفة بمتابعة متغيّرات سعر صرف الليرة، إلا أن صدور قرار إعفاء الحاكم من مهماته، قبل أيّام قليلة فقط من بدء الإجراءات الدستورية لعملية انتخاب رئيس للجمهورية، يشير إلى أهميّة معركة سعر الصرف في هذه المرحلة بالنسبة إلى دمشق، باعتبارها البوابة التي يُراد من خلالها تصعيد الضغوط المعيشية على السوريين الموجودين في الداخل. أمّا لماذا كان المستهدف هذه المرّة منصب الحاكم؟ فهذا يرجع الى أمرين:
– الأوّل الانتقادات المستمرة لأداء الحاكم المعفى من قِبَل الاقتصاديين لجهة تجاهله لمقترحات كان من شأنها تجنيب البلاد «الهزة» الأخيرة. وبحسب الدكتور حزوري، فإن غرفة صناعة حلب التي يوجد ضمن هيئتها الاستشارية، قدّمت عدة اقتراحات خطّية خلال العامين الأخيرين لتحسين واقع سعر صرف الليرة، إلا أن الحاكم المعفى تجاهَلها، لا بل إنه كان يصرّ، عند مطالبته برفع سعر صرف الحوالات، على أن السعر الموجود في السوق الموازية هو سعر وهمي.
– الثاني يتعلّق بأهمية دور المصرف المركزي؛ فبحسب ما يعتقد الباحث الاقتصادي، الدكتور فادي عياش، فإنّ من ضمن مهمات المصرف المركزي: «تنسيق فعاليات مؤسسات النقد والتسليف، تنفيذ السياسات المالية والنقدية والمصرفية للدولة، ممارسة الرقابة على الجهاز المصرفي ومتابعة حسن تنفيذ أحكام نظام النقد الأساسي وما يتفرّع عنه من أنظمة وتعليمات وضوابط نقدية ومصرفية. وبهذا يمكننا استشفاف أهمية هذا المنصب ودور شاغله في إنفاذ السياسة المالية والنقدية للدولة، والتي بدورها تنعكس على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد. ومن هنا، يمكننا فهم أسباب الإعفاء». ويضيف عياش، في حديثه إلى «الأخبار»، إن»الإجراءات الأخيرة لا ترتبط بشكل مباشر بالحاكم. فالسياسة المالية والنقدية للدولة تشرف عليها عدة جهات، بينها المصرف المركزي، ونجحت في الفترة الماضية في مواجهة الهجوم الكبير على الليرة السورية وإعادة ضبط سعر الصرف، رغم الثمن الباهظ على مستوى المعيشة والقوة والقدرة الشرائية. وهناك أيضاً تحرُّكات إقليمية قد تساعد الحكومة السورية في المحافظة على استقرار سعر الصرف وتحسّنه، ومن بين هذه الإجراءات القرض الروسي الأخير الممنوح لدمشق، والجهود التي تُبذل لاستعادة أموال سورية مجمّدة في بعض المصارف الخارجية». وإذا ما تحسّنت العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول العربية المجاورة، فإن الأمور تتّجه نحو مزيد من التحسّن في سعر صرف الليرة.

«الأخبار»

Visited 11 times, 1 visit(s) today