لماذا الصناعة والتموين الأكثر استبدالاً للوزراء والإدارة المحلية الأقل
دمشق..
لم يعد النقاش اليوم يدور حول مدى مسؤولية الحكومة عن التدهور الحاصل في الأوضاع الاقتصادية، وإنما أصبح النقاش يتركز على تحديد نسبة تلك المسؤولية وحجمها مقارنة مع العوامل الأخرى، ولأن الطابع الفردي يكاد يغلب على أداء جميع الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة في بلدنا، فإن مراجعة التغييرات والتعديلات الوزارية التي حصلت منذ العام 2011، تاريخ بدء الأزمة، يمكنه أن يضيء جانباً من المشكلة التي فاقمت ما تمر به البلاد من أوضاع صعبة.
ست حكومات تعاقبت على إدارة شؤون البلاد التنفيذية منذ شهر نيسان من العام 2011، تباينت فيما بينها لجهة الفترة الزمنية التي شغلتها كل منها، فمثلاً حكومة عادل سفر، لم تستمر سوى عام وشهرين فقط فيما كانت الأطول زمنياً حتى الآن حكومة عماد خميس التي قاربت ولايتها الأربع سنوات، وكذلك تباينت الحكومات لجهة رئيس الحكومة المكلف، فهناك رئيسي حكومة كلفا لمرتين بتشكيل الحكومة هما: وائل الحلقي، و حسين عرنوس.
اللافت في تشكيلات الحكومات الست المشار إليها سابقاً، كان عدد الوزراء الذين تعاقبوا على كل وزارة خلال الفترة الممتدة من شهر نيسان في العام 2011 ولغاية اليوم، لاسيما الوزارات المعنية مباشرة بالشأن الاقتصادي والخدمي للمواطنين، لكن ما يسجل على هذه التغييرات الحاصلة على مستوى كل وزارة أنها لم تتمكن من إيصال رسالة معينة، فلا ارتفاع نسبة التغيير أعطى نتائجه بتحسن الأداء، ولا “تجديد الثقة” بوزراء آخرين لأكثر من دورة انعكس إيجاباً على مسار العمل والرضا العام.
المحظوظون قلائل:
من بين 20 وزارة خضعت للبحث والإحصاء في هذه المقالة، كان هناك وزارتان هما الصناعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك (المعروفة شعبياً بالتموين) شهدتا تعاقب 8 وزراء عليهما خلال الفترة المذكورة، ثم جاءت وزارتي الاقتصاد والعمل في المرتبة الثانية، حيث مر عليهما أيضاً حوالي 6 وزراء، الأمر الذي يظهر عدم الرضا على أداء الوزارات المذكورة ووزرائها معاً، كما ويؤكد أيضاً على ضعف المعايير المتبعة في اختيار وزراء الفريق الاقتصادي، وإلا ما الذي يجعل متوسط التغيير الوزاري في الصناعة والتجارة الداخلية يصل إلى1.3 في كل حكومة، ولتكون بذلك مدة بقاء الوزير في منصبه ما متوسطه عام وأربعة أشهر تقريباً، أما في وزارتي الاقتصاد والعمل فقد كان متوسط معدل التغيير حوالي وزير واحد مع كل حكومة، ومدة بقائه في منصبه ما متوسطه عام وثمانية أشهر.
في باقي الوزارات الاقتصادية والخدمية، تراجع عدد الوزراء بشكل أقل من عدد الحكومات المشكلة خلال الفترة المذكورة، فمثلاً شهدت وزارات: النفط، النقل، التعليم العالي، الإعلام، والعمل تعاقب خمسة وزراء على كل منها، فيما كان العدد الأكبر من الوزارات هي تلك التي مر عليها 4 وزراء، وهي: المالية، السياحة، الزراعة، الصحة، التربية، العدل، والإسكان والإشغال العامة. وهذا يعني أن معدل بقاء الوزير في هذه الوزارات وصل إلى حوالي عامين وسبعة أشهر، وسجلت وزارتي الكهرباء والاتصالات تعاقب 3 وزراء فقط، وهو ما أسهم في تخفيض متوسط معدل التغيير خلال الحكومات الست المشكلة إلى وزير واحد كل حكومتين، ورفع متوسط مدة بقاء الوزير في منصبه إلى ثلاثة أعوام وستة أشهر تقريباً.
وحدها وزارة الإدارة المحلية حققت رقماً قياساً في تدني عدد الوزراء الذين تعاقبوا عليها منذ شهر نيسان في العام 2011، والذي لم يتجاوز وزيرين فقط، أي وزير واحد كل ثلاث حكومات تشكلت، وحوالي خمس سنوات ونصف السنة تقريباً مدة بقاء الوزير في منصبه.
وللتوضيح فإن هناك حالتين من الاستثناءات: الأولى فصل الشؤون الإجتماعية عن العمل لدورة واحدة، ولذلك لم يتم احتساب منصب وزير الشؤون الاجتماعية ضمن عدد الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، والحالة الثانية كانت مع دمج وزارتي الإسكان والإشغال العامة بوزارة واحدة، وأيضاً لم يتم احتساب منصب وزير الإشغال، الذي شغله وزيران، في عدد الوزراء الذين مروا على وزارة الإسكان والإشغال، حيث تم افتراض أن هناك وزير واحد للوزارة منذ العام 2011.
أمل وتجريب:
ليس هناك من تفسير لهذه النتائج سوى واحد من أمرين أو الاثنين معاً:
-الأمر الأول أن السبب الرئيس في ارتفاع معدل التغيير في معظم الوزارات الاقتصادية والخدمية خلال فترة الأزمة سببه الآليات والمعايير غير العلمية المتبعة في ترشيح وتعيين عدد من الوزراء، وهو ما أفضى إلى وصول بعض الشخصيات غير المؤهلة، إدارياً ومهنياً، لشغل هذا المنصب التنفيذي والإداري الهام.
-الأمر الثاني أنه حتى مع وصول بعض الشخصيات المؤهلة والمناسبة لشغل هذا المنصب، إلا أن بيئة العمل وتراكم الأخطاء والتجاوزات وترسخ آليات عمل معيقة، جميعها عوامل أسهمت إما في تقييد حركة هذه الشخصيات وقدرتها على التغيير والإنجاز، أو أنها أسهمت في “تقولب” هذه الشخصيات مع آليات العمل السائدة، وتالياً غياب الإنجازات النوعية التي يعول عليها.
ولذلك، فإنه وبقدر ما يُشاع الحديث عن تغيير أو تعديل حكومي قادم من أمل لدى البعض حول إمكانية تحسن الأداء الحكومي وانعكاس ذلك على الأوضاع الاقتصادية والخدمية العامة، فإنه يشكل لدى البعض الآخر هاجساً من إمكانية وصول شخصيات أخرى غير مؤهلة، وتالياً الدخول في مرحلة جديدة من التجريب، باتت نتائجها معروفة سلفاً.