ماكرون الذي بدا لبنانياُ أكثر من بعض اللبنانيين
بيروت..
لا شك أن الانفجار الذي حدث في مرفأ بيروت هو كارثة حقيقية يمكن لتداعياته أن تطال المنطقة برمتها وليس لبنان فحسب. فلبنان لم يكن ينقصه هذا التفجير حتى يعزز الشرخ الحاصل بين الأفرقاء اللبنانيين الذي ينقسمون ولا يوحد شيء إلا الاختلاف وضعهم كوضع أغلب الشعوب العربية التي لم تصل إلى مرحلة الوعي بأهمية اللحمة وإعلان مصلحة الوطن على المصلحة الضيقة حزبياً أو طائفياً.
إن ردود الأفعال من أغلب دول العالم المتضامنة مع المأساة اللبنانية كانت بلا شك داعمة للحكومة التي لم تنل الاعتراف الدولي لاعتبارات سياسية ولحسابات دولية يعرفها الجميع، كون الحكومة اعتبرت حكومة أقرب إلى تيار الثامن من آذار منه إلى 8 شباط. وكان لا فتاً حجم الوعود على المساعدة والوقوف إلى جانب اللبنانيين في هذه المحنة القاسية. كما إن زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت كأول مسؤول غربي وحتى عربي تطأ قدماه لبنان بعد الحادث المروع لها عدة دلالات في حسابات العلاقة المميزة بين لبنان وفرنسا، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل حقيقة أن فرنسا كانت دائماً حاضرة في القرار اللبناني حتى في أيام الوجود السوري في لبنان والحرب الأهلية اللبنانية.
نعم جاء ماكرون إلى لبنان حاملاً معه عدة رسائل للداخل والخارج ولكافة الأفرقاء اللبنانيين، وحاول البعض تصوير الزيارة من خلال مصلحته السياسية وهذا طبيعي في سياق التسابق على اكتساب النقط وتسجيل الأهداف وخصوصاً في الوقت الضائع. وإن بدا فريق الثامن من شباط مهللاً للزيارة باعتبارها مرساة النجاة للفريق بعد الانتكاسات الأخيرة التي تعرض لها، وخصوصا بعد نجاح الفريق الخصم بتشكيل حكومة تحاول العمل في هذه الظروف الصعبة جداً. فمن سمع التصريحات التي أدلى بها زعماء الثامن من شباط بخصوص التحقيق الدولي وضرورة تدويل قضية التحقيق في انفجار المرفأ وكيف أن بعض المطالبات تجاوزت ما يمكن ان يطالب به أي حريص على ما يسمى مفهوم السيادة وخصوصاً في ظل التجربة المريرة سابقاً مع قضية اغتيال الحريري التي استمرت أكثر من 15 عاماً وكلفت الكثير ومن الوقت والمال ولم تقدم للبنانيين إلا مزيد من الفرقة والانقسام.
لا أعرف كيف لمن يلوم الرئيس الفرنسي أن يطلب منه ان يكون لبنانياً أكثر من اللبنانيين، إن نظرنا صراحة وبموضوعية إلى تعليقات ماكرون سنرى في بعضها إيجابيات أكثر من تصريحات كثير من السياسيين اللبنانيين الذين ابتعدوا أكثر من ماكرون في تصريحاتهم ومطالباتهم وحتى في شطحاتهم التي لم تهدأ. ما حدث في لبنان ويحدث من استقواء بالغريب على ابن البلد لن يكون أبداً في صالح العيش المشترك وسيترك آثاراً سلبية قد تكون مدمرة للنسيج الاجتماعي ومستقبل البلد، وهذا ليس حال لبنان فقط بل حال الكثير من شعوب المنطقة العربية التي لا تعرف كيف تحل مشاكلها بنفسها وأغلبها مستعد للتعاون مع الغريب والاجنبي على حساب أقرانه في البلد. لا أعتقد أن من الحكمة أن نلوم الغريب لتجاوزه الحدود في بعض القضايا، إن كان منا من لا يرى هذه الحدود ولا يكترث بها أبداً. من هنا لا يجب أن يلام الرئيس الفرنسي الذي بدا لبنانياً أكثر من كثير من اللبنانيين، إن هذا لا يعني أبداً أن ليس للرئيس الفرنسي أجندة معينة يريد لها الحياة.
A2Zsyria