اخترنا لكممن هنا وهناك

معرض الكتاب السوريّ: لا وقت للقراءة… ولا مال

دمشق ..
أَغلق، قبل أيام، معرض الكتاب في «مكتبة الأسد الوطنية» في دمشق، أبوابه، بعد أن قدّم نسخة جديدة اختلفت كُلّياً عمّا كان عليه لأكثر من ثلاثين عاماً مضى، إذ تَحوّل اسمه من «معرض الكتاب الدولي» إلى «معرض الكتاب السوري»، فيما سُجّلت محدودية المشاركة فيه من قِبَل دور النشر التي لم يتجاوز عددها 50 داراً جميعها سوريّة، بعد أن كان يصل إلى 200 في كلّ دورة. وحتى توقيته أُجِّل من آب إلى تشرين الأوّل ليتزامن مع الاحتفالية الرسمية بدخول سوريا كعضو في «اتحاد الناشرين العرب». إلّا أنه نظراً إلى احتمالية الجوّ الماطر في هذا التوقيت – وفقاً لتبريرات القائمين على المعرض -، نُظّمت الأجنحة في بهْو المكتبة بطريقة مكتظّة، وليس في ساحتها الواسعة كالمعتاد. وخَصّصت هذه الدورة، التي حملت شعار «نقرأ… لنرتقي»، أكثر من 26 جناحاً لكتب الأطفال، فيما حافظت على النشاطات المألوفة كتوقيع الكتب وعرْض الأفلام، وإن بوتيرة أقلّ ممّا عُرف سابقاً.
يقول مدير النشاط الثقافي في «مكتبة الأسد»، عصام عيساني، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «بعد توقّف معرض الكتاب الدولي لمدّة عامَين، أصبح الهدف من المعرض التركيز على الكتاب السوري فقط، وتعريف الجمهور بأحدث الإصدارات السورية، بحيث لا ينقطع القارئ عن متابعة دُور النشر السورية، ويُتاح المجال أمامه للحصول على الكتب بأسعار مناسبة»، لافتاً إلى أنه كان من شروط المشاركة تقديم حسم بقيمة 25% على الأقلّ، مضيفاً: «وصلت الحسومات إلى 70% مُراعاةً للحالة المادّية الصعبة والقدرة الشرائية المختلفة عن المعارض السابقة».

القيمة والوجود
أثّر تحوّل معرض الكتاب إلى «سوريّ»، بعد أن كان «دولياً» لأعوام طويلة (انطلق عام 1985)، بشكل كبير، في نوعيّة الكتب المعروضة، إذ إن الجهات المشاركة والعناوين المُتاحة لم تَعُد «مغرية» كما كانت سابقاً، فيما أصبحت الرفوف، على رغم امتلائها، لا تحمل القيمة التي كان ينتظرها الجميع من عامٍ إلى آخر. هنا، يَظهر، بشكل واضح، ضعف دُور النشر السورية أو تراجعها بسبب الأزمة المستمرّة، إضافة إلى تعامُل بعضها مع المشاركة في المعرض على مبدأ «رفع العتب»، والبعض الآخر لتحقيق الوجود فقط، إذ لا فائدة مادّية تُرتجى من المشاركة على ما يبدو، في ظلّ تدنّي القدرة الشرائية للسوريين بشكل عام.

خرج المهندس عامر من المعرض صفر اليدين. على رغم تجوّله وزوجته في جميع الأجنحة لأكثر من ساعة، إلّا أنه لم يشترِ أيّ كتاب. هكذا، لم تَعُد زيارتهما للمعرض سوى تقليد سنوي كـ«مشوار»؛ فلا الأسعار تعجبهما ولا الكتب المتوافرة أيضاً. بدورها، تعترض عواطف، وهي موظّفة وخرّيجة كلية اقتصاد، على الأسعار، وترى أنها غير متناسبة مع الدخل مِثلها مِثل الكثير من حاجات المواطن، معتبرة أن الحسومات الحقيقية لا تشمل جميع الأجنحة وجميع العناوين. ولذا، لم تَجد ما يشجّعها على تعديل مخطّطها للإنفاق، فكانت حصيلة زيارتها ثلاث روايات قرأتها سابقاً إلكترونياً، وترغب في الاحتفاظ بها ورقياً، مقابل حوالى 50 ألف ليرة سورية دفعتْها هناك.
من جهتها، توضح فاديا عبد الخالق أن دار النشر التي تمثّلها «حاولت المحافظة على هامش معيّن من الأسعار لمراعاة الظروف الاقتصادية للزوّار، في ظلّ ملاحظة انخفاض طلب الاحتياجات إلى النصف عن العام الماضي، وعدم إمكانية مقارنة الإقبال أو الشراء بما كان عليه في الأعوام السابقة». وتضيف عبد الخالق أن «مشاركتنا في المعرض هي لتثبيت وجودنا في بلدنا من جهة، والاستمرار مع عدد من دُور النشر في دعم صناعة الكتاب السوري ومعرضه من جهة أخرى. أمّا على الصعيد المادي، فقد لا نصل إلى تحقيق مردود مصاريف المشاركة». وتشير إلى أن الدار قدّمت «العديد من الكتب مجّاناً لطلّاب جامعات، لا يملكون بالفعل ثمن كتاب يسعون للحصول عليه».

ثقافة مدفوعة الثمن
الفروقات الاقتصادية التي اتّسعت بين السوريين، وكادت تلغي الطبقة المتوسّطة، ستؤثّر حتماً في الجانبَين التعليمي والثقافي، إذ إن المال أصبح متقدّماً على سُلّم مقوّمات التعلّم والتمدرس والتثقّف، فيما بات مَن يمتلكه يتوفّر على فُرص أكبر ووقت أطول لشراء الكتب والمطالعة. وفي المقابل، حُكم على أبناء الطبقة الفقيرة، بسبب انشغالهم اليومي بتأمين متطلّبات العيش، بالابتعاد عن الكُتب ومَعارضها. يتأسّف العم جبر، وهو مدرّس متقاعد، لِما وصل إليه من ضيق مادي، مَنعه من مُتعة انتقاء واقتناء الكتب التي تُعجبه، بعد أن كان يتباهى بأنه «يتغذّى ثقافة ويأكل كتباً». ويعترف بأنه كان مدّعياً عندما قال: «مستعد أقطع اللقمة عن تمّي وتمّ ولادي مقابل كتاب»، لأنه اليوم في خضمّ حساب مصاريف بيته وأولاده والحاجات الضرورية فقط، لم تَجِد الكتب مكاناً لها لديه ولو صغيراً، وكانت النتيجة إلغاء زيارة المعرض السنوي «حتى لا تزيد الحسرة».
من جهتها، أعادت نادين (طالبة علم نفس) الكتب التي اختارتها إلى الرفوف، بعد أن حسمت قرارها بعدم الشراء من المعرض، وإنّما البحث عمّا تريده على «البسطات» تحت «جسر الرئيس»، حيث ستجده غالباً وإن اختلَف المترجم ودار النشر، وتقريباً برُبع سعره في «المكتبة الوطنية». أمّا عدنان، الذي اصطحب أولاده الثلاثة إلى المكتبة لشراء ما يرغبون به من قصص ومواد تعليمية، فكان جوابه عن حصيلة زيارته: «دفعْنا 200 ألف ليرة».

الاخبار اللبنانية

Visited 17 times, 1 visit(s) today