اخترنا لكمسيليكونيات

نارام سرجون يكتب :أسفي على من يتولى المرحلة الإعلامية .. إعلامنا هو إعلام الأطفال

لايهم ان تنتصر اذا كنت ستتصرف كالمهزوم .. ولايهم ان رفعت رايات النصر ولكنك ترفع في كتبك وقلبك رايات بيضاء .. وثق انك منتصر ولو كنت مهزوما اذا تصرفت كالمنتصر .. ولكن مشكلتنا في تعريف الاشياء لاتزال بدائية وتقليدية ولم تتغير .. فلا تزال البطولة في سيف الزير ورجولة بني عبس والحب لايزال يقطر من أشعار عنترة .. ولانزال نفهم الحرب كما فهمها البشر الاوائل عندما كانوا يتقاتلون بالهراوات والعصي والسكاكين .. ولانزال نفهم الانتصار على انه مبارزة بين فارسين يسقط أحدهما عن صهوة جواده وتنتهي المبارزة ..
ولكن الحرب تغيرت .. وتعريف النصر تغير .. صارت هناك حروب الجيل الرابع .. بحيث صارت الانتصارات ليست في ان تخوض الحرب بل في ان تنتصر دون ان تخوضها .. كما يفعل الغرب .. ينتصر في افغانستان بدماء المسلمين .. وينتصر على العرب بدماء المسلمين ..و وينتصر على المسلمين بدماء العرب ..

أقول مااقول بسبب ما أثير عن دراما سورية بعنوان كسر عظم .. وهذه أول مرة اقول انني سأكتب عن شيء لاأعرفه ولاأراه .. لأنني رفضت أن أراه بعد عرفت المحتوى والغرض من قصة المسلسل وهي شعار محاربة الفساد والفاسدين .. وكاننا لانتعلم محاربة الفساد الا بالمسلسلات .. وكأن الشعب السوري لايعرف الفاسدين واحدا واحدا .. ولايعرف وسائلهم وعناوين بيوتهم وارقام سياراتهم .. وأنا كفيل أن تسأل اي سوري عن الفاسدين وعناوين مكاتبهم وثرواتهم أبنائهم وسياراتهم وستجد اننا جميعا لدينا معلومات واسعة عنهم جميعا .. لأن الفاسد ذو رائحة زنخة .. وسلالته زنخة .. وتفوح من ثيابه رائحة زنخة .. فاينما سار عرفه الناس بأنوفهم ولايحتاجون رؤيته ..
اننا نعلم اننا في الحرب أنهينا فاسدينا .. ولكن الحرب أنجبت فاسديها أيضا .. ولكن هل انتصرنا في الحرب؟؟

انتصرنا عسكريا .. وصمدنا جميعا .. وحققنا معجزة تاريخية لم تخطر على بال أي معهد سياسات في العالم .. ولكننا مع كل هذا تصرفنا كمهزومين .. وتحدثنا كمهزومين .. وثرثرنا كمهزومين .. فقد أخذنا هذا النصر ووضعناه في الخزانة بين الكتب القديمة والثياب القديمة .. ووضعنا كل كنوزنا التي وجدناها في المعارك في علب الحلوى القديمة .. بدل ان نحولها الى أيقونات نعلقها فوق صدورنا ونصنع منها أساور لبناتنا وصبايانا اللواتي قاتلن كاللبوات .. ومافعلناه هو تماما مافعله السادات .. انتصر الجيش المصري في العبور لكنه كسر قلوب العسكريين المصريين وأرواحهم وهو يتصرف كالمهزوم ويقدم التنازلات ويوقع صكوك الاستسلام .. فحول العبور العظيم الى حفلة في كامب ديفيد واعلن استسلام مصر .. ومن يومها وشكيمة المصريين مكسورة وتخشى الحرب ..

بعد حرب هائلة .. تمخض الجبل السوري وولد فأرا .. اسمه كسر عظم .. اي ان أمة دفعت عشرات آلاف الشهداء .. وحدثت فيها ملايين القصص العظيمة .. وكشفت فيها كل الاسرار الدولية الرهيبة .. بعد كل هذا عجزت عن أن تصنع حكاية عظيمة ترويها .. وعجزت عن أن تسرد لنا من قصص الحرب وقصص البطولات وقصص الخيانات وقصص الجنون والهستيريا .. ولم تنتبه الا الى قصص فساد .. تشبه قصصا بوليسية امريكية .. ومسلسلات تركية ومكسيكية سخيفة .. وتحكي عن مجتمع تحول الى عصابات .. وهو المجتمع الذي قدم أروع التضحيات وتحدى الكون كله .. وهز اصبعه في وجه أميريكا ..
الغريب اننا في عام 67 هزمنا وشرخت كرامتنا .. ولكن ارواح الناس انتصرت .. وخرج المصريون في الشوارع يرددون (ح نحارب) .. وخرج عبد الناصر بلاءات ثلاثا يعلن ان اسرائيل هزمت رغم انتصارها لأنها لم تقدر ان تكسر أيا من لاءاتنا القديمة التي جددناها في الخرطوم .. سقطت سيناء والجولان والضفة من أجل ان تسقط اللاءات فلم تسقط الا بعد ان سقطت أرواح المصريين في الشعور بالهزيمة رغم الانتصار لأن روح السادات كانت مكسورة ..

أما نحن اليوم .. فاننا نسينا النصر والمنتصرين .. ونسينا الفدائيين .. ونسينا يحي الشغري .. ومئات الابطال ونسينا الاستاذ خالد الاسعد وهو معلق على أعمدة تدمر وظل يحرسها وهو معلق على بواباتها .. ولم نخرج بوثائقي او دراما عن تلك المرحلة الا مرة او مرتين ..
هل حقا نحن انتصرنا ونحن نمضغ أحاديث الجزيرة التي اثارت جزءا من الشعب السوري باشعال تناقضاته .. وبدلا من أن تتوجه الدراما السورية لجعل تجربة نجدت أنزور مثالا عندما صنع ملك الرمال .. وظننت ان الحرب قد كسرت قلوبنا ولكنها كسرت ترددنا في ان نقود حملة التنوير الوطني وحملة النهوض الوطني والنهوض العربي .. واننا سنقود قاطرة الفكر والثورة والحس الوطني والانساني الرفيع ضد تلك الحثالات والالات الخليجية والعثمانية .. توقعت ان أرى مجددا مسلسلات عن اللقاءات القطرية والتركية .. وعن المرحلة العثمانية كي نستعيد بعضا من اولئك المخدوعين بشعارات العثمانية الجديدة .. وتوقعت ان نصور الخونة الذين التقوا الاسرائيليين وكانوا يهللون لقصفنا بطائرات امريكية واسرائيلية وان نعرض على الملأ احتقارنا لهم وتقززنا منهم .. فاذا بنا مقطورين بقاطرة يقودها مجهولون وتأخذنا من جديد الى تشوش وطني وتشوش عقائدي .. ولكن الذي حدث هو أننا اعدنا انتاج الخطاب الاعلامي الخليجي الذي سيحمل أعداءنا من جديد الينا وعلى ظهورنا .. وهم يضحكون ..

الحقيقة لم أعد أستغرب كيف اننا لم ننهض بمشروع مقاومة في المنطقة الشرقية او ادلب لأن خطابنا غشيم وباهت بل هو خطاب ضدنا نحن وليس ضد الغرباء والخونة .. ومانقوله هو اننا لايهمنا الغرباء بل نحن مشغولون بحرب بعضنا بحجة اننا شرفاء ونكافح الفساد .. وقد استغربت تراجع الحس الوطني عند أحد شيوخ العشائر الذي قال لمن تفاوض معه من الحكومة السورية: ان أبناءنا يتقاضون 250 دولارا مع قسد .. أعطوهم 250 دولارا وسيكونون معكم ..

رغم احتقاري لهذا الشيخ ورغم انني ألومه الا انني يجب ان أقول انه يقولها لأننا لم نعلم الناس كيف يخجلون وطنيا .. وكيف يتخاطبون وطنيا .. ولم نجعل الوطنية شيئا مقدسا لايجب المساس به بالدولارات .. عن طريق خطاب صارم مقدس .. فكيف اننا لانقبل بأن يثلم اسم الاسلام ونبي الاسلام ونثور ونتظاهر ولكننا لانتحرك ولايبدو علينا الا بلادة الشعور ونحن نسمع ثرثرات تمس هيبة الوطن واسمه وتجعل الوطنية تباع ب 250 دولارا ويتعلم الناس ويحلمون ان يصبحوا فاسدين كما تعلمهم المسلسلات والدراما وبلادة الاعلام الوطني .. انها ثقافة نحن من صرنا مسؤولين عنها لأننا نقول بأن المال هو من يتحدث وان هاجس الناس هو الثروات والفساد
انني حزين وغاضب ان منجم الحكايات مهجور .. ومنجم المعجزات لايجد من يحكي عنه .. بل انا أتعجب من تلك القفزة التي حققتها الدرامنا المصرية بسلسلة (الاختيار) التي توجهت للشعب المصري لتخاطبه وتقدم له محاضر جلسات خاصة بأهم مرحلة مرت بها مصر والمنطقة ..

انني أتعجب من ان أحد الكتاب السوريين المرموقين الذي وثق قصصا حقيقية من الحرب وحملها وهي مبللة بدموع أصحابها الى وزارة الاعلام لاصدار سلسلة توثيقية عن هؤلاء الناس وماذا حدث معهم .. كي يتعلم الناس الوطنية من جديد .. كان الجواب الذي تلقاه هو الرفض البارد .. فيما كان كتاب سيناريو حقير يكتبون بنفس خليجي عن عيوبنا ومشاكلنا وترحب بهم وزراة الاعلام ..

المسلسل للأسف استجابة جديدة لشروط خليجية .. فمن ثقافة باب الحارة التي بدات كحكاية شعبية للتسلية والترفيه لتصبح مدرسة وتتحول الى وثيقة وأكاديمية للشعبوية وثقافة شاملة حولت عقول اساتذة جامعيين الى عقول مثل أبو النار وأم عصام والادعشري ..
مرحى للمصريين الذين لم يتركوا عقول المصريين تؤكل باعلام الاخوان والخليج رفم انه يلعقهت في اعلام نشرات الاخبار ويدس سمه فيها .. ولكن الدراما مشاهدة أكثر بكثير من نشرات الاخبار .. ولذلك نجح الفنانون المصريون في ادخال الشعب الى دهاليز الاخوان .. ودهاليز السياسة واسرارها .. وخاطبوه بصراحة .. ولم يخدروهم بحكايات المخدرات والفساد ..
وأسفي على من يتولى المرحلة الاعلامية والثقافية السورية .. وهم نيام في العصر الجليدي .. رغم ان النار تحيط بهم في كل مكان .. والرمال تحيط بهم .. فانهم يحدثوننا عن العفاريت الزرق .. ولايبحثون من نبع مياه يروينا ويحيينا ..
أعرف ان كثيرين منهم ينتظرون بطاقات الشكر والاقامات الذهبية .. مكافأة لهم على تكسير عظم المذكرات السورية والآلام السورية .. وتكسير قلوب الكثيرين ..
الحق ان أشباه الرجال ليسوا فقط في الخليج .. بل هم في مؤسساتنا الاعلامية .. فاعلامنا باختصار هو اعلام الأطفال وثقافتنا صارت ثقافة ربات الحجال .. والنتيجة .. كسر عظم .. وكسر وطن ..وكسر عضم الشهادة والشهداء ..

 

Visited 15 times, 1 visit(s) today