هكذا سيتم تعمير خطوط الحديد السورية
قال معاون وزير النقل، عمار كمال الدين إن شبكة الخطوط الحديدية دخلت باكراً على خطّ الأزمة، مع تفجير عبوة ناسفة بأحد القطارات خلال الأسابيع الأولى، لتتتالى لاحقاً عمليات استهداف معظم مرافق الشبكة، سواءً نتيجة القتال الدائر على مساحة واسعة من البلاد والذي لم ينحسر إلّا بعد عام 2020، أو بفعل عمليات النهب والسرقة والتخريب، والتي كانت لها أوجه متعدّدة، من «فكّ وسرقة السكك الحديدية وتدمير عشرات الجسور، وخروج محطّات ومنظومات الإشارة عن الخدمة بشكل كامل، إلى قيام الفصائل المحسوبة على تركيا بسرقة جسور السكك والمعامل الخاصة بتجميع وصيانة القطارات والعربات وتهريبها إلى الداخل التركي»، بحسب ما يفيد به
59 بالمئة من الشبكة خارج الخدمة
ويضيف كمال الدين، في تصريح إلى «الأخبار»، أن النتيجة كانت «خروج وتدمير 2026 كم من شبكة السكك الحديد من أصل 2552 كم هي طول الشبكة السورية، أي ما نسبته حوالي 79%، علماً أن 1516 كم، أي ما نسبته 59% من إجمالي الشبكة، لا تزال خارج الخدمة حتى تاريخه».
اقرأ أيضا: قرار تشغيل سكة حلب دمشق مؤجل لهذا السبب
مع بدايات العقد الأول من القرن الحالي، دار نقاش عميق داخل الحكومة السورية حول جدوى خطط التوسّع في شبكة الخطوط الحديدية، مقارنةً بالاحتياجات المحلّية المستقبلية. آنذاك، جرى استعراض التجربة الروسية التي نجحت في ربط مناطق البلاد الواسعة بعضها ببعض، وقد استقرّ الرأي في حينه على دعم خطط التوسّع تلك، كجزء من تطوير منظومة النقل في البلاد، لا سيما وأن الخطوط الحديدية في ما يتّصل بعملية نقل البضائع والركاب تبقى أقلّ تكلفة مادياً وزمنياً. فهذه الشبكة هي التي تتولّى نقل الوقود إلى محطّات توليد الطاقة الكهربائية، والحبوب من وإلى الصوامع، والغاز والمشتقّات النفطية من مراكز الإنتاج إلى مراكز التوزيع للاستهلاك في المحافظات، والبضائع والمواد الأولية من المرافئ البحرية السورية إلى الفعاليات الاقتصادية العامة والخاصة، والفوسفات إلى معامل الأسمدة وإلى المرافئ للتصدير.
امكانية النقل محدودة
ومع مرور الوقت، خرج الاهتمام بالسكك الحديدية من دائرة النطاق المحلّي إلى الإقليمي، لتصبح أحد محاور التعاون المرتقبة بين سوريا ودول الجوار، فكان أن طُرح مشروع لإعادة تشغيل تفرّعات الخطّ الحجازي باتجاه لبنان والأردن. كما كان الربط السككي على قائمة مجالات التعاون المرتقبة مع كلّ من تركيا، العراق، وإيران. لكن التطوّرات الإقليمية، وما رافقها من دخول البلاد في أتون أزمة مدمّرة، لم تتسبّب فقط بإيقاف تلك المشروعات، وإنّما ألحقت أضراراً بالبنية التحتية لشبكة السكك الحديدية، قدّرتها «المؤسّسة العامة للخطوط الحديدية» بأكثر من 820 مليون دولار، منها 794 مليون دولار كأضرار مادّية مباشرة، و46 مليون دولار كأضرار غير مباشرة، متمثّلة في فاقد النقل والمنفعة.
اقرا ايضا:خلاف حكومي حكومي على أمتار يعرقل العمل في مدينة معارض السيارات
وعلى رغم أن «مؤسسة الخطوط الحديدية»، وهي المسؤولة عن الشبكة الوطنية (باستثناء الخطّ الحديدي الحجازي)، قامت بإعادة إعمار للمحاور والتفريعات السككية في المناطق التي عادت إلى سيطرة الحكومة، وبطول يقدَّر بحوالي 510 كم، إضافة إلى إجراء الصيانة لحوالي 526 كم، ليصبح الطول الإجمالي للشبكة العاملة حالياً حوالي 1036 كم، إلّا أن إمكانية النقل لدى المؤسسة لا تزيد حالياً عن 10% من حجوم النقل المتوقّعة لديها في عام 2022. وإذ يجعل ذلك من عملية إعادة تأهيل وتحديث الشبكة أولوية حكومية، فإن هذه المهمّة تبدو مؤجَّلة لثلاثة أسباب هي: العجز عن تأمين القطع التبديلية اللازمة للإصلاح، علماً أن القاطرات الموجودة قديمة ومهدَّدة بالتوقّف في أيّ لحظة. والسبب الثاني يكمن في العقوبات الغربية على سوريا، والتي تمنع الشركات العالمية من توريد قطع تبديل أو تقديم الخبرة الفنّية أو بيع قاطرات للبلاد. وأمّا السبب الثالث فيتعلّق بالمبالغ المطلوبة لإعادة تأهيل وتحديث المنظومة، وهي مبالغ غير متوفّرة حالياً مع تراجع إيرادات الخزينة العامة من القطع الأجنبي منذ بداية الأزمة.
الربط مع إيران
قبيل الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق، كان وفد إيراني كبير يعقد سلسلة من الاجتماعات الطويلة مع المسؤولين السوريين في قطاعات عدة من بينها النقل و«مؤسسة الخطوط الحديدية»، لبحث أوجه التعاون الممكنة بين الجانبَين، وما يمكن لطهران أن تساعد به في عملية إصلاح وتحديث شبكة الخطوط الحديدية. ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فقد أبدى الجانب الإيراني استعداده «للتعاون المهني في مجال إعادة تأهيل وتعمير القاطرات والعربات والآليات السككية التخصّصية وتقديم الخدمات الفنية والهندسية، وتوريد المواد والمعدات والتجهيزات اللازمة للخطوط الحديدية، إضافة إلى القطع التبديلية للأدوات المحركة والمتحركة وآليات الصيانة السككية». كما «اتّفق الطرفان على التعاون في مجال تطوير مهارات وكفاءة الموظفين في المجالات التقنية والإدارية والتشغيلية، واتخاذ الترتيبات اللازمة لحضورهم المشترك في الحلقات الدراسية والمؤتمرات التي تُعقد في كلا البلدين من خلال التحضير للزيارات الميدانية والتدريب المهني وورش العمل التعليمية».
ونصّ الاتفاق، أيضاً، على أن «يتّخذ كلّ طرف التدابير اللازمة لتبادل الخبرات والدراسات الخاصة به في المجالات المذكورة أدناه، بناءً على طلب الطرف الآخر: نقل المعرفة والتكنولوجيا في مجال صيانة الخطّ والبناء، نقل تكنولوجيا السكك الحديدية في المجالات الإدارية والهندسية، عوامل وشروط السلامة الدولية ذات الصلة، إجراء التحقيقات والدراسات المتعلّقة بتحسين دراسات الجدوى المالية لعمليات السكك الحديدية لزيادة الاستثمار من خلال تطوير معايير الكفاءة وخفض تكاليف الإنتاج». ويأتي هذا في الوقت الذي لا يزال فيه مشروع الربط السككي بين البلدَين عبر العراق قائماً، على رغم التحدّيات التي تواجهه لجهة التواجد الأميركي غير الشرعي في منطقة التنف، والاستهداف الأميركي – الإسرائيلي المتقطّع للحدود السورية – العراقية.
الأخبار
صفحة الفيس بوك:https://www.facebook.com/narampress/