هل كان لإعلان نتائج البكلوريا على العموم دور في كارثة انتحار طالب بكلوريا
طرطوس..
ما حدث اليوم بعد صدور نتائج الثانوية العامة في محافظة طرطوس فاجعة بكل المقاييس وكارثة حقيقية يتحمل مسؤوليتها الأهل والتربية والمجتمع. نعم لقد فجعت عائلة الطالب الذي أقدم على الانتحار تاركاً وراءه سيلاً من الاستفسارات والآلام لمن عرفه وخصوصاً لأهله الذين لن يعوضهم أحد خسارتهم لفقيدهم الغالي ولن ينسيهم أي شيء مأساتهم التي يصعب تحملها. أي مصيبة حلت بهم ومن يمكن أن يهدئ روعهم ويخفف حزنهم ويقدر على مواساتهم غير الزمن الذي سيكون وقعه مختلفاً، كيف لا و مصابهم جلل وخطبهم عظيم. يا للكارثة و يا لهول الفاجعة !!! . أي حال وصل إليه ما نسمعه، وأية مبررات نسمعها وأي جهة نلومها ومع من نبكي ؟
الأهل المفجوعين لهم دور كما للتربية والمجتمع، إذ ليس هناك مبرر يجعل شاب في مقتبل العمر على الانتحار بسبب عدم نجاحه في الثانوية العامة. أسئلة كثيرة يجب النظر إليها والإشارة عليها والإجابة عليها ضرورية للاستفادة وتفادي هكذا تصرفات كارثية.
- هل أن الشهادة والتحصيل العلمي أهم من الحياة؟
- هل أن مفتاح السعادة هو النجاح في الحصول على شهادة؟
- هل نعيش لنُحَصل الشهادات التي أضحت الهدف الذي نحيا لأجله؟
- هل حقاً قيمة الشهادة أهم من قيمة الإنسان؟
- هل النجاح فقط في تحصيل الدرجات العالية؟
- هل كل ما نحتاج إليه لتطوير بلدنا هو النجاح في الثانوية العامة؟
إذا ما طُرحت الأسئلة أعلاه على أي إنسان يعيش في مجتمع مختلف عن مجتمعاتنا سيراها غريبة وغبية كون الشهادة في مفهوم كثير من الدول المتقدمة لا تعني كما تعني في بيئاتنا ولا يمكن لها أن تبرر ولو بأي شكل من الأشكال القيام بأي إجراء خارج عن السياق المألوف ولو كان على مستوى غش في الامتحان فما بالكم بحالة انتحار مأساوية. من يود الحصول على الشهادة في تلك المجتمعات سيحصل عليها ومن يريد أن يدخل فرعاً في الجامعة فإنه سيناله إن رغب بذلك ولن يتطلب منه الأمر إلا الرغبة والإرادة وبعض الجدية. وإن لم يستطع أحد ما أن يحقق ما يحلو له لسبب ما، فإن الأمر برمته ليس أكثر من تجربة طويت ليتابع بعدها طريقاً قد يكون مختلفاً جزرياً ومليئاً بالنجاحات. ولن يعرف بحاله أي من محيطه لأنه لن يجد من يكترث به ويتابعه وأحياناً يعيره أو يقول له بأنه فشل في الامتحان.
يُبنى الإنسان في أغلب المجتمعات المتحضرة على حب الحياة وتتم تنشئته على سمو ورفعة القيمة الإنسانية التي لا تعلوها قيمة. فكل تفاصيل الحياة وقوانين البلد وسياسات الحكومات يجب أن تعزز هذا المبدأ البسيط والراقي للاسف الشديد هذا ما عجزت عنه وزارة التربية والمناهج السورية والمجتمع السوري وبعض الاحيان التربية المنزلية من تجسيده وغرسه.
لقد تحول التنافس بين الأهل والتلاميذ إلى حالة من التشنج والتحريض وعزز الانانية بين التلاميذ وبين الاهل الذين دأبوا يشحذون همم أبنائهم ودفعهم إلى محرقة تحصيل الدرجة العالية أو الحصول على الشهادة بأي ثمن، دون مراعاة لمفاهيم السعادة والرغبة ومصلحة الأبناء في أن يكونوا قبل كل شيء متزنين محبين، تغلب عليهم ثقافة المشاركة لا الأنا. ولكن ما نراه من مجتمعاتنا وواقعنا، ليس إلا تجييش للتلميذ من قبل الأستاذ والأهل والمدرسة والتربية لتعزيز مبدأ أنا أو لا أحد. يضاف إلى هذا كله كارثة ما يسمى “الأول” التي جعلت الكثير من المتفوقين أنانيين ولا يرون إلا مصلحتهم الضيقة دون سواها وفرضت على كثير منهم العيش في بروج عاجية واحياناً في عزلة اجتماعية أو تكبر على بيئاتهم البسيطة التي خرجوا منها. طبعاً هذه ليس حال الجميع ولكن لا يمكن إنكار وجود نسبة لا يستهان بها من هؤلاء. لا شك أن الفرص المحدودة ساهمت في تعزيز التنافس وبعض التنافس جيد وشريف وضروري ولكن ليس بهذه الطريقة الحارقة.
ما يهمنا الآن هو النظر إلى الكارثة التي حدثت اليوم وتفادي حدوثها، والاعتراف ولو مرة واحدة بأن بعض ممارساتنا وسياساتنا التربوية والأسرية لم تستطع أن تنمى ولو بذرة بسيطة تفيد بأن الحالة الإنسانية التي تقوم على حب الحياة والاستمتاع بها أهم وأسمى من أي شهادة أو موقع وظيفي يمكن أن نحصل عليه في المستقبل.
إنها ليست المرة الاولى التي نسمع بها عن إجراء قام به مراهق أو مراهقة بسبب الامتحانات العامة وكنا قد ذكرنا في مقالة سابقة كيف أقدم شاب او شابة في ريعان العمر على الانتحار بسبب اعتقاده بأن كان مقصراً أو أن الدرجات التي سيحصل عليها قد لا ترضي ذويه وكيف قام بعض المراهقين بخطف طفل بغية ابتزاز أهله بالحصول على المال لرشوة مراقبين. وكنا قد نبهنا إلى آثارها السلبية على المجتمع وضرورة الالتفات إلى هذا الأمر من قبل الأهل والتربية.
بالعودة إلى المأساة التي حصلت في طرطوس صباح اليوم، إن للتربية والمجتمع وطريقة التقييم والامتحانات دوراً لا يمكن نكرانه كمحرض غير مباشر في مثل هكذا تصرفات كارثية وغير مسؤولة. ولو ان هذا الامر حدث في دولة يُشهد لها احترامها لمواطنيها لكانت اجتمعت الحكومة لتدارس هكذا كارثة وفاجعة. لن نطلب من التربية أكثر من طاقتها ومقدرتها فكلنا أعلم بحال البلد ولكن ما حدث يوضح مرة أخرى ضعف التربية والتعليم و فشل التربية الاسرية والاجتماعية الممثلة بالأسرة والسلوكيات الاجتماعية الغبية التي قد تجبر على هكذا تصرفات بعيدة عن مجتمعاتنا.
كان بإمكان وزارة التربية أن لا تعلن النتائج على العموم، ويجب ألا تعلن النتائج بطريقة تتيح للكل رؤيتها، الأمر الذي قد يحرج الكثيرين باعتبار أن الحشرية هي السمة العامة لنا نحن السوريين. إنها بكل تأكيد انتهاك للخصوصية التي لا يقام لها اعتبار في بيئاتنا ومجتمعاتنا البسيطة والمريضة، حتى المؤسسات والوزارات والمعنيين بها لا يهتمون بذلك وتصرفاتهم وطريقة تعاطيهم مخجلة. لا نعلم كيف أن أسماء المجرمين واللصوص والمرتشين وأصحاب السوابق يتم اختصارها بأول حرف من الاسم والكنية، في حين يمكن لأي شخص أن يطلع على علامة أي تلميذ في الثانوية العامة ومعرفة نتيجته التي قد يتم استخدامها للبلطجة وللسخرية والإساءة. إن كان الأمر كذلك يمكن للأهل مقاضاة وزارة التربية على انتهاكها لخصوصية ابنهم إن كانوا يعتقدون أن ذلك من الأسباب التي أدت إلى تفاقم الحالة وتردي الأوضاع إلى هذا الدرك.
ما حدث فاجعة بكل المقاييس واليوم وزارة التربية والأهل والمجتمع يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم و يستفيدوا من التجربة المريرة لما حدث والحيلولة دون تكرارها أبداً.
A2Zsyria