اخترنا لكمحكي الناس

التنمية الإدارية تقصي الكفاءات بدل استثمارها: ما مصير الموفدين بين الإجازة والإقصاء؟

خاص-
من أغرب القصص الإدارية في سوريا، التي يفترض أن تسهم في التنمية الإدارية، أنها باتت تتعامل مع أصحاب الكفاءات والخبرات والموفدين بأسلوب يبدو أقرب إلى العقوبات، عبر قرارات تشمل إما الفصل أو منح إجازة لمدة ثلاثة أشهر وإبعادهم عن العمل حتى الفنيين منهم.

ولمن لا يعلم الموفد يكلف الدولة ما لا يقل عن 50 ألف دولار أمريكي في الحد الأدنى، وعند عودته يكون ملزمًا بالقانون وبحسب التعهد بخدمة الدولة ضعف مدة الإيفاد، حتى يرد جزءًا من الدعم الذي حصل عليه خلال فترة دراسته أو تدريبه. ومع ذلك، فإن كثيرًا من الموفدين خلال الأزمة لم يجدوا دافعًا قوياً للعودة، بسبب ظروف البلد من جهة وقرارات مجحفة اتُّخذت بحقهم.

التنمية الإدارية تمنح الموفدين إجازة

والسؤال العجيب كيف يمكن لوزارة التعليم العالي أن تلاحق الموفدين إذا تأخروا أسبوعًا أو شهرًا عن الالتحاق بوظيفتهم بعد انتهاء مهمتهم، أو إذا بقيت لديهم أشهر قليلة لاستكمال التزامهم، بينما هناك جهات أخرى تقول إنها خبيرة بالتنمية الإدارية تتخذ قرارات بمنح الموفد حتى من اختصاصه فني بحت إجازة بلا أجر أو بأجر؟ هنا، لا يتعلق الأمر بالمقابل المادي فقط، بل بالمبدأ الأساسي الذي يحكم سياسة التعامل مع الكفاءات والخبرات الوطنية.

اقرأ أيضا: رسالة من الموفدين إلى معالي رئيس الحكومة

يبدو أن القائمين على التنمية الإدارية الذين اتخذوا هذه القرارات لا يدركون أهمية الموفد أو مفهوم الالتزام بقانون الإيفاد، مما يعكس قصورًا في فهم دور الكفاءات المدربة.

وللأسف جميع الموفدين الذين التقيت بهم يترقبون وينتظرون أخطاء التنمية الإدارية واتخاذ قرارات الفصل النهائية لموفدين من الوظيفة العامة، ليس بسبب ضعف الكفاءة، بل رغبةً في التحرر من الالتزامات الإدارية المعقدة، مما يتيح لهم فرصة التعاقد مع الجامعات الخاصة بأجور مرتفعة، قد تصل إلى 15 ضعف راتب الدولة.

المفارقة الأبرز أن بعض الموفدين هم أطباء أو مهندسون متخصصون في مجالات دقيقة، ومع ذلك، يتم منحهم إجازات دون النظر إلى خبراتهم، مما يطرح سؤالًا جوهريًا حول تأثير هذه القرارات على المؤسسات. إذا كان هناك اعتراض على أداء الموفد، أو شبهة فساد أو مخالفة قانونية، فإن السبيل الصحيح هو المحاسبة وفق الأصول القانونية، وليس إقصاؤه بقرارات ارتجالية تؤدي إلى تفريغ مؤسسات الدولة من كوادرها الفنية المؤهلة.

فصل الموفدين من عملهم حدث صادم

ومن غير المنطقي أن تستثمر الدولة عشرات الآلاف من الدولارات في تدريب وتأهيل الموفدين في الخارج، ثم تقرر منحهم إجازات أو فصلهم دون استثمار خبراتهم، لتعود لاحقًا وتصرّح بأن هناك نقصًا في الكفاءات وتبحث عن حلول عبر دورات تدريبية! إن هذه السياسات لا تعكس اجتهادًا في المكان الصحيح، بل تلحق ضررًا بالاقتصاد الوطني والمجتمع، وتضعف قدرة مؤسسات الدولة على الاستفادة من خبراتها المدربة وتؤكد أن القرار الإداري بأيد ناس قليلة الخبرة.

اقرأ أيضا: هل يُعجّل طريق التنمية المصالحة السوريّة التركيّة؟

الموفد الذي قضى ست سنوات في إحدى الدول الأوروبية للدراسة واكتساب الخبرات، يجد عند عودته أبواب مؤسسات القطاع الخاص والجامعات مفتوحة أمامه، حيث يُعرض عليه رواتب مرتفعة وفرص عمل مغرية. ومع ذلك، يبقى مرتبطًا قانونيًا بوزارة التعليم العالي، التي وضعت شروطًا معقدة تتعلق بالكفالة والرهن وغيرها من الالتزامات التي تحد من حريته المهنية.

ومن المؤكد لكل من يراقب الفجوة بين المشاكل التي تواجه آلاف الموفدين لأسباب يمكن حلها بسهولة، وبين العقلية التي تدفع نحو منح الموفد والمختص الفني إجازة مأجورة، يتضح أن القرارات الارتجالية في التنمية الإدارية لا تخدم التنمية البشرية، بل تساهم في إضعاف المؤسسات الحكومية، وحرمانها من كفاءات عالية التأهيل كان يمكن أن تسهم في تطويرها.

A2Zsyria

صفحة الفيس بوك:https://www.facebook.com/narampress/

Visited 40 times, 1 visit(s) today