فشل التخطيط وبطء التنفيذ يستنفذ موارد السورية للاتصالات
دمشق:
من يراقب تصريحات المسؤولين في قطاع الاتصالات بسوريا يُذهَل من حجم البراءة التي تعتيرها وكأن أغلبهم لم يسبق له أن اطلع أو عمل على تقنية اتصالات تتمتع بالوثوقية العالية وجودة الخدمة المميزة. الكثير منهم على حد علمنا زار عدة دول وحضر عدة دورات تدريبية في أفضل الشركات العالمية وكل هذا لم يساعد السورية للاتصالات كثيراً، وما نشهده يومياً من تقطعات في خدمة الانترنت أكبر مثال على هذا. لمرددي أسطوانة الحصار والحرب نقول لهم أن هذا لا يبرر أبداً أن يكون أداء الشبكة هو الأسوأ في المنطقة وربما العالم. وللمطبلين بأن الخدمة رخيصة مقارنة بدول الجوار نقول لهم ان هذا الكلام هراء وافتراء لأن أغلب دول الجوار سبقتنا بالسرعات التي تؤمنها لمواطنيها وأغلب الدول كلفة كافة خدمات الاتصالات فيها لا تشكل نسبة تذكر من دخل المواطن. أغلب الناس في سوريا لديهم معارف أو أقارب في الخارج ولا أعتقد أن احد منهم سمع من قريبه بأن سرعة البوابة لدية 256 كيلو بت في الثانية، وأشك بأن أحداً من المغتربين الذين نعرفهم والمتوزعين في أصقاع المعمورة شكى من أن السرعة التي يستخدمها ستنخفض وتخف شكيمتها نظراً للاستهلاك الكبير كما ابتدعت وزارة الاتصالات، لا أعتقد أنها اتبعت أي تجربة أخرى إنه اختراع يحق لها الحصول على براءة اختراع حصرية وشهادة ملكية فكرية لهذه الوزارة.
حتى لا يُقال بأن هذا الكلام ليس في كل الدول أقول نعم قد تكون هناك بعض القبائل المتناثرة في جمهورية تشاد أو بعض الولايات في جمهورية الكونغو الديمقراطية الشعبية التي قد تعتمد هكذا نظام تعرفة ولكن هذا الامر بحاجة إلى برهان أو إثبات من مسؤولي الاتصالات في سوريا. أما أن يقولوا مثلاً أننا نسبق دولاً كثيراً فهذا أمر مردود عليه ونطلب منهم تسمية من يقصدون بالدول الكثيرة وليسموا لنا دولة واحدة لنقارن معها. للعلم فإن دولة الصومال الشقيق والتي فتحت ذراعيها للعديد من الأطباء السوريين العصاميين تمتلك سرعات نفتقدها في سوريا وبالنسبة لجودة الخدمة فشتان ما بين مقديشو ودمشق ولكم أن تسألوا للتأكد من الأمر.
نحن الآن في عام 2020 وبعض البوابات تم تركيبها منذ سنتين أو ربما أقل من ذلك ومع ذلك سرعة البوابة متواضعة. السؤال للمعنيين في السورية للاتصالات هل البوابات المركبة والمقاسم التي تعمل عليها (وبخاصة بعض الريفية منها) تعتبر حديثة وتحمل كامل المميزات المطلوبة والتي تتوفر في التجهيزات الجديدة؟
من يعمل في مجال الاتصالات يدرك التسارع الكبير للتكنولوجيا وضرورة أن يكون الزمن بين التخطيط والتنفيذ قصيراً لكي يتجنب مطب ضرورة تحديث التجهيزات التي تبدو حديثة من حيث تركيبها وهي في حقيقة الأمر قديمة من حيث العمر، إذ قد يكون قد مضى عليها عدة سنوات في المستودعات الأمر الذي قد يفقد التقنية كثيراً من ميزاتها بدءاً من تشغيلها خارج فترة الضمان وانتهاءً بقرب العمر التشغيلي للتقنية الأمر الذي يزيد من كلف الصيانة وقد تصل الأمور لدرجة عدم توفر بديل لاستبدال بعض التجهيزات التي تعمل لسبب أن المصنع قد توقف عن انتاج هذا المنتج بسبب تراجع أو انعدام الطلب عليه. أعتقد أن كثير من المواطنين يتفقون معي على أن سرعة الانترنت متواضعة في سوريا وقد تكون من أقل السرعات في العالم، وبحسب موقع Speedtest Global Index الذي يعرض لمؤشر العالمي لسرعة الانترنت احتلت سوريا المرتبة 167 من بين 174 دولة بين الدول العالم شملتها القائمة وللأمانة ليست المرتبة الأخيرة. ثمة شك حول ذكر التقرير أن متوسط السرعة هي 6 ميغابت في الثانية هو المعدل لسرعة الاتصالات في سوريا لخدمة الآي دي أس أل للاتصالات الثابتة (أعتقد أن الرغم أقل من ذلك، لو كان معدل السرعة 6 ميغا بت في الثانية لما كانت جودة الانترنت في سوريا بهذا السوء، لا أعلم من زود الموقع بهذا السرعة المقبولة، للأمانة وكل من أعرفهم يملكون سرعات لا تتعدى 4 ميغابت في الثانية، إن كان هذا المعدل لسرعة الانترنت في منازل المسؤولين فلا ضير بذلك، لقد تبوأنا مركزاً طيباً بين الأمم على الأقل لم نتذيل القائمة هذا العام).
إن السورية للاتصالات لا تحتاج إلى المال فقط لكي تستطيع أن تقدم خدمة راقية تليق بالناس (بدليل أن المال كان متوفراً في العقد الاول من القرن العشرين وكانت الخدمة متواضعة ولم ترتق إلى مستوى الجيدة أبداً). إذ أن التخطيط الجيد والاستفادة من تجارب الآخرين ، ناهيك عن تجربة السورية للاتصالات وأخطاؤها في السابق كلها عوامل لا يمكن تجاهلها وهي كفيلة بتفادي الكثير من المطبات التي تتكرر مع كل عقد ومع كل مشروع كبير. بعض هذا الأخطاء الأكثر تردداً هو التباعد بين الدراسة والتنفيذ إضافة إلى غياب الرؤية الاستراتيجية واعتماد الحلول قصيرة الأمد التي قد تبدو للوهلة الأولى حلول ذات جدوى اقتصادية، ليتضح بعد فترة قصيرة بأنها ليست إلا تأخير لاستحقاقات كان لابد من اعتبارها ولحظها وتنفيذها، الأمر الذي يستنفذ موارد الخزينة ويضيع الكثير من فرص النجاح على السورية للاتصالات وبالتالي ينعكس سلباً على المواطن. بعض الأمثلة على ذلك مشاريع المقاسم الريفية التي كلف بعضها الكثير ليتم تأهيلها لخدمة نقل البيانات ومشروع شبكة الخدمات الرقمية المتكاملة الذي أصر السوريون على تطبيقه عندما تخلى عنه الآخرون ومشروع التجهيزات اللاسلكية التي كان أداؤها مزاجياً ومخجلاً في أكثر الأحيان وبوابات الانترنت التي بُدء بالتفكير بضرورة زيادة سعاتها أثناء تركيبها وغيرها كثير من المشاريع التي لم يكتب لها النجاح أو على الأقل لم تكن منسجمة مع ما خطط له في البداية كمشروع خدمة الألياف الضوئية إلى المبنى FTTB أو الألياف الضوئية إلى المنزل FTTH. الحديث يطول ولكن حقيقة أن المؤسسات في سوريا تقاد بعقلية خاصة وغريبة وتفتقد للتخطيط والرؤية الموضوعية لا يمكن تجاهلها، فتغيير أي مسؤول مثلاً كفيل بتغيير استراتيجية المؤسسة جذرياً وهذا بحد ذاته كفيل بتحويل أي مؤسسة رائدة إلى مؤسسة تتضاربها أسواط الإدارات المتلاحقة غير المتناغمة.
ِA2ZSYRIA