اخترنا لكمحكي الناسمش عيب

الحكومة فرضت الدوام الطويل وتجاهلت الراتب الشحيح

ما إن قرر الفريق الحكومي المعني بالكورونا رفع الحظر المفروض على حركة المواطنين وإطلاق العنان لعودة كثير من القطاعات إلى سابق عهدها، فوجئ الموظفون في أغلب المؤسسات العامة بتعاميم تدعو لعودتهم جميعاً بدوام كامل من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر بزيادة ربع ساعة في اليوم عن مدة الدوام السابقة. وبعملة حسابية بسيطة يكون متوسط أجرة الموظف في الساعة لا يتجاوز ال 327 ليرة سورية، وللمسؤولين ممن لا يعلم ماذا تعني 327 ليرة نقول لهم أنها لا تكفي لشراء قطعة بسكويت واحدة صناعة وطنية (إلا اللهم إذا تم اعتمادها على البطاقة الذكية). بناء عليه فإن متوسط  يومية الموظف في يوم العمل  لن يتجاوز 2500 ليرة وهذا الرقم ليس إلى جيبه (إذ يجب أن يقتطع منه اجرة الطريق التي قد تختلف من موظف لآخر وهذا الرقم لن يتجاوز 2000 ليرة يومية لكثير من الموظفين على مدار الشهر). وفي عملية حسابية بسيطة لتقريش الراتب على “الشوئسمو” يومية الموظف أضحت أقل من شوئسمو فقط واحد لا غير  بعين الشيطان، وفي هذه الاجواء الرائعة  تفرض  الحكومة على العاملين طوقاً يقضي بعدم السماح بالاجازات الطويلة بلا راتب ،والاستقالة وتقييد المغادرة من دون إذن مسبق ليصبح الموظف أجيراً مجبراً على التواجد فقط في مكان عمله وعدم مبارحته بغض النظر عما إن كان التواجد في المؤسسة لغاية التواجد مع الالتزام الكامل بمواعيد الدخول والخروج. هناك اعتقاد سائد عند العامة أن مسؤولينا لا يدركون ماذا تعني الواحدة التي تصف الرقم فبعضهم ينظر للرقم ويراه كبيراً ومناسباً لاعتقاده أنه بالدينارالكويتي أو بعملة أخرى من التي يتعامل بها ويعرفها (وهي حلال عليه وحرام حتى ذكرها على الناس الذين لا يعرفون منها إلا الاسم)، في حين أن العملة الوطنية هي العملة الوحيدة التي يعرفها أغلب موظفونا وكثير منهم لم ير غيرها في حياته.

 

بالعودة لزمن الدوام الطويل، والنظر إلى الظروف الجديدة والمستجدة والتي غيرت كثيراً من طرق العمل في كل دول العالم ولا تزال تبعاتها تتالى، إلا في سوريا التي  يُترك الموظفون فيها فترات أطول في أماكن عملهم وبعضهم يضطر لشراء أدوات وقائية من الكورونا كالكمامات من حسابه الشخصي لأن بعض المؤسسات تلزم موظفيها بلبس الكمامة في المبيت. إن كان هذا الإصرار سببه الحرص على صحة الموظف فالكثير من تصرفات المدراء لا تنسجم حقيقة مع هذه الفكرة ونحن نأمل ان تكون مصلحة العامل والموظف هي الأساس في اعتماد أي قرار. يصعب على كثير من الناس تصديق أن هذه القرارات هي لمصلحتهم إذ كيف تكون المصلحة والموظف غير قادر حتى عن شراء أبسط الأشياء.  لا نعلم لماذا هذا التناقض وهذا الإصرار على  دفن الرأس بالرمال. ألا يدرك مسؤولونا أن أعتى اقتصادات العالم عجزت أمام الكورونا واقتصاديات الدول الغنية جداً تأثرت وأضحت مدخراتها متواضعة، فأن نحن من ذلك؟

نعم إنها طريقة العمل المميزة التي تخصنا وتميزنا نحن السوريين ، اتخاذ القرار دون دراسة كاملة لكل حيثياته، لينتج عنه مشكلة ومن ثم ليتم الإيعاز لمن يهمه الامر بحل المشكلة، وتبدأ الاجتماعات والمراسلات ليتم لحظها في الخطط الخمسية المستقبلية  ولتتناقلها الأجيال على أمل أن تحل المشكلة التي لم تكن موجودة من قبل.

 

ما يثير الاستغراب حقاً أنه في فترة الكورونا تم تخفيض العمل الى الحد الادنى وبقي العمل الحقيقي يسير في المؤسسات على ما يرام، واليوم بدلا من سلوك التوجيهات العالمية لترك من يقدر على انجاز عمله من المنزل على راحته في اي مكان يختاره – سيما أن الراتب انحدر على سلم المرتبات الوظيفية الى مستويات يعجز فيها كثير من الموظفين على تأمين حاجاتهم الأساسية- تقوم الحكومة بزيادة ساعات العمل والتأكيد عليها.

ألم يقتنع  فقهاء ومرشدي الحكومة الإداريين أن المؤسسات يمكن أن تعمل على أكمل وجه بنصف طاقمها الوظيفي، ولا حاجة لإزعاج  من لا حاجة حقيقية للمؤسسة له ولعمله (الذي قد يمكن ان ينجزه في يوم واحد) وتكبيده مشقات إضافية وأعباء تفوق طاقتها في ظل هذه الظروف، إذ يكفيه ويكفي الناس ما لديهم من مشاكل.   لا نعلم ماهي الحكمة من هكذا إجراء وماهي الرسالة هنا، هل ثمة رسالة تريد الحكومة توجيهها إلى جهة معينة، هل ثمة في هذه المرحلة القاسية من جهة أهم من الناس لتُوجه الرسالة الجيدة إليها. أبداً لم تكن التعاميم والتعليمات بالعودة إلى الدوام للجميع حكيمة، وإن كان هناك حرص حقيقي على الموظف والإنتاجية والأداء فجميعنا يدرك بأن هذا الإجراء لا ينفع ولا يصب في مصلحة العمل على الإطلاق. إن كان أصحاب القرار غير مدركين لذلك فهذه كارثة حقيقية، وإن كانوا مدركين فهذه كارثة اكبر.

نحن أحوج ما نكون إلى مدراء يمتلكون الجرأة الآن قبل الكفاءة وليكونوا صادقين وموضوعيين و قادرين على أن يميزوا بين العمل الوظيفي لمجرد الحضور والتوقيع وبين العمل الحقيقي الذي يحسن الإنتاج ويقلل الهدر. نتمنى أن يخرج علينا أحد هؤلاء ليشرح لنا ويفيدنا إن كنا غير مدركين لكثير من الأمور التي يراها ونحن لم يسعفنا الحظ بذلك. إن الرؤى التي نسمعنا بين الفينة والأخرى للإجراءات الحكومية التي قد تبدو في حقيقتها مقبولة إلى حد ما، نتفاجأ  كثيراً بأن تطبيقها ووقعها على الناس ممهور بخاتم من الاستهتار وعدم فهم للواقع والبعد عن حال الناس.

لسان حال أناس يقول لا نعلم لمصلحة من هذه الممارسات وهذه التصرفات ؟ أفيدونا يا أولي الألباب وليخرج علينا مدير ويشرح لنا عن الحكم التي نجهلها من جراء هكذا قرارات، وإن كان هناك من إمكانية لتعديل شيء يراعي مصالح الناس فلا ضير في اعتماده ولو كان تعديلاً على شيء تم اعتماده فالتراجع لمصلحة الناس فضيلة كبيرة.

À2Zsyria
Visited 44 times, 1 visit(s) today