تسوية وضع الموفدين بين الانتقام والاحتواء
دمشق – خاص –
لقد أوفدت وزارة التعليم الكثير من الطلاب السوريين ليستكملوا تعليمهم ما بعد الجامعي في اختصاصات دقيقة في جامعات دول متطورة أغلبها كان إلى أوربا الغربية في الفترة ما بين 1999-2012 وبأعداد كبيرة وصلت إلى عدة آلاف في بعض السنوات (طبعاً هذه الأرقام موزعة على كافة الدول وتشمل المنح والبعثات للوزارات وللتعيين في الجامعات لأغراض تدريسية). عاد بعض الموفدين بعد أن استكمل إيفاده، واستنكف البعض القليل وكان هذا هو الحال إلى حد عام 2012 حين استعرت الحرب وتغيرت أحوال البلد والمنطقة، مما دفع الكثير من الموفدين الذين انهوا إيفادهم إلى التريث في العودة حتى تهدأ الامور، ولكن الأمور ازدادت سوءاً في كافة المناطق مما حدى بالكثيرين إلى العزوف عن فكرة العودة نتيجة لعوامل كثيرة ليس أقلها الوضع الأمني للبلد آنذاك وليس آخرها الفساد والكركبة الإدارية التي تنتظرهم والتي نعيشها يومياُ ويدركها أغلب السوريين.
لسنا هنا في وضع تقييم أو فتح باب الجدل البيزنطي فيما يتناقله بعض موزعي صكوك الغفران الوطنية من ضرورة إقامة الحد لهؤلاء بتهم الردة الوطنية وبطء الإسراع إلى العودة للوطن والتراخي في تلبية الواجب وما إلى هنالك من موشحات النفاق الوطني التي لا تفيد ولا تنفع. لهؤلاء يقول الكثير من الموفدين أن بعضا ممن عادوا من زملائهم لقوا حتفهم نتيجة استهتار غير مبرر من قبل أشخاص أقل ما يمكن وصفهم بأنهم بلا ضمير وبلا إحساس بالمسوولية، ونحن هنا لا نريد ان نفتح هذا السجال الذي لا يفيد ولا يغني شيئاً.
المهم ونحن المقيمين نعلم واقع الحال اكثر من الذين في بلاد الاغتراب من دول أوربا الذين يتواصلون مع أقاربهم واهلهم بشكل شبه يومي، ويعرفون عن سوريا الكثير مما نعرفه ونعيشه في حياتنا اليومية. وطالما أن البلد يعيش أزمة وكثير من هؤلاء يتمنى أن يعود إلى سوريا لرؤية اهله وبعضهم لديه أطفال لا يعرفون سوريا إلا على الخريطة او من احاديث ذويهم. دعونا الآن نفكر بالمصلحة المتبادلة ونترك باب الانتقام وردود الفعل ومتاهات التربية جانباً، البلد لأبنائه وسوريا لأهلها المقيمين والمغتربين وهذا أمر إن لم كذلك فهناك مشكلة كبيرة.
لا نعلم من هذا العبقري الذي اقترح على الجهات المعنية استصدار قرار بتغريم الطلاب مبالغ خيالية يصعب على أي موفد دفعها. إن كان الهدف حقيقة من القرارات (وهذا ما نعتقده) هو عودة الموفد فيجب أن تكون القرارات بالتسوية تصب في هذا السياق وتعكس هذه الرغبة. أما إن كانت الحكمة من التسوية والقرارات المتعلقة هي عدم السماع للموفد الذي تخلف عن العودة إلى البلد لسبب ما (بغض النظر عن السبب الذي كما أسلفنا سابقاً لا نريد أن نفتح هذا الباب لأنه لن يؤدي إلى نتيجة)، فهذا شيء آخر ولا داعي لمتابعة قراءة المادة من قبل المعنيين.
في اتصال مع بعض أقارب الموفدين الذين يتابعون اوضاع أقربائهم مع وزارة التعليم والقضاء والمحامين رأينا أن كثيرا من الموفدين حصلوا على أحكام من القضاء السوري بخصوص تسوية أوضاعهم، ولكن فيافي الاخيرة (حوالي 20 شهراً خلت) تم تغيير القانون ليفرض على المتخلفين غرامات يصعب تصديقها، أرقام يصل بعضها إلى 250 ألف يورو. دعونا ننظر إلى هذا الرقم، من يعتقد من مسؤولينا بأن أحد يمكنه بسهولة أن يدفع هكذا رقم، نقول له بأنه على خطأ، لمن لايدرك ماذا يعني هذا الرقم يمكنه تخيل السيناريو التالي:
“هذا الرقم هو كامل راتب طالب موفد لمدة 200 شهر، طبعاً هذا الرقم ليس بالسهل تحصيله إن لم يكن من شبه المستحيل (تحصيل هكذا رقم ليس سهلاً ومتاحا بالطريقة التي يجمع بها المرتشون ثرواتهم في سوريا وكل من جرب العمل خارج سوريا يعلم ذلك). طبعاُ نحن لا نقول مطلقاً بإعفاء الموفدين من المستحقات الواجبة عليهم، ولكن ليس بالتشفي وبطريقة غير عقلانية وكأن الموضوع هو عقاب للموفد اكثر مما هو حل يمكن أن يقبله أو يتقبله طرف، أغلب من تواصل معنا من الموفدين وأهاليهم أكدوا على هذه النقطة ( الرغبة في التسوية الموضوعية والعقلانية).
بكل الأحوال ما نود قوله أن لهؤلاء حق على البلد كما للبلد حق عليهم، ويجب أن يكون هناك عقلاء في البلد يدركون أن مصلحة البلد ومصلحة هؤلاء واحدة. من الحكمة أن تعمد وزارة التعليم العالي على إعداد صيغة منطقية واقعية تأخذ مصلحة البلد وأبنائه بالحسبان بعيداً عن ثقافة الجلد التي لن تفيد أحداً وستضر بالاثنين معاً. نعتقد أيضاً أن وزارة الخارجية والمغتربين يمكن أن تساعد في ذلك باعتبارها أكثر وزارة يمكن أن تدرك ماذا يمكن ان يقدم السوري للبلد خارجياً، إضافة إلى أن سوريا التي نحب بحاجة كل أبنائها أينما وجدوا.
لنتذكر بأن حرمان هؤلاء من زيارة البلد ليس خياراً حكيماً على الإطلاق، إن كان من الصعوبة على المسؤولين أن يخطوا خطوة باتجاه تسوية مقبولة، فلما لا يقومون باتخاذ اجراءات تخول الموفد المتخلف من زيارة بلده إن أراد لقاء رسوم زيارة خاصة أو ضريبة خاصة معقولة تتيح له زيارة اهله والتواصل معهم ليس من أجله هذا المرة ولكن من أجل أطفاله الذين لا ذنب لهم(هؤلاء لهم حق كبير على سوريا بحكم كونهم سوريين ويجب ان يشعروا ان بلدهم الأم وبلد أهلهم استوعبهم ولم يلفظهم) او من اجل أهله الذين قد يفارقون الحياة من دون أن تسمح الظروف لهم برؤية أولادهم.
مرة أخرى للأبواق التي تنهال على المغتربين بالشتائم والتخوين والتوعد بالويل والثبور وتعطي لنفسها حق توزيع شهادات الوطنية، هؤلاء أبناء البلد ولا يحق لأحد أن يتطاول عليهم بطريقة مهينة وأكثرنا يعلم بأن كثيراً من المقيمين ومنهم من يصل صدى صراخه عدة أميال يتمنى أن يهاجر لاعتبارات عديدة ومشروعة.
لمن يعلم من مسؤولينا نطلب إليكم المسارعة والجرأة في اتخاذ القرار، فكما تعلمون هناك الكثير من المحامين يتولون مهمة الدفاع عن الموفد الذي يضطر لتوكيل محامين متنفذين لقاء أتعاب أقل ما يقال عنها أن البلد أحق بها. لا أعلم لماذا هذا التراخي عن هكذا أمر. لمن لا يعلم نقول إن محامي وزارة التعليم العالي ومديرية الشؤون القانونية يعلمون اكثر من غيرهم أن المحامين الذين يوكلون من قبل الموفدين يتقاضون أرقام وبالعملة الصعبة وبأرقام فلكية. والسؤال لماذا لم يخطر على بال المعنيين أن يرفدوا خزينة الدولة المنهكة من الحصار والحرب، بدل أن يتركوا الموفدين عرضة للابتزاز من قبل محامين جشعين ظناً منهم أن يتشفون او ينتقمون من الموفد. لن نفتح باب المحسوبيات والخيار والفقوس من معشر الموفدين وسيكون لنا وقفة ثانية مع هؤلاء الذين لا يطبق عليهم ما كتبناه أعلاه.
نحن أحوج ما نكون إلى مشرعين وطنيين يمتلكون الجرأة والحب والرؤية الآن قبل الكفاءة وليكونوا صادقين وموضوعيين و قادرين على أن يميزوا بين مصلحة البلد وبين جلد الذات وتكبير المعلاق، والخروج من عقلية ” سنجعلهم عبرة لمن لا يعتبر” و” ندمان يا سيدي” و” لمن تسول له نفسه”. صدرت مراسيم وقرارات عفو كثيرة عن أبناء البلد ممن ارتكبوا المجازر واقترفوا الآثام الجسام وسرقوا الأخضر واليابس، أين هؤلاء الموفدين من كل ذلك، احتكموا وفكروا ولو لمرة بأن ثمة من شيء ما يمكن أن يُفعل ومن الممكن أن تكون له فوائد لا يستهان بها. وحتى لا يساء فهم ما ذكرناه ويتم الاصطياد في الماء العكر، يمكن النظر إلى الموضوع ببساطة وبحب وبإيجابية وبمرونة من خلال المصلحة المتبادلة والتي تحفظ حقوق الجميع وترضيهم كلهم، سيكون هذا بسيطاُ وقابل للتحقيق إن توفرت الإرادة الطيبة المحبة التي ترى سوريا بأهلها المحبين أينما كانوا.
A2ZSYRIA