لا توحي الأجواء في سوريا بوجود الانتخابات من المسؤول؟
بيروت..
لا توحي الأجواء في سوريا بأن البلاد مُقبلة على حدث مفصلي كانتخابات الإدارة المحلّية بعد أيام من الآن. فالتفاعل السياسي مع استحقاق بهذا الحجم يبدو في حدوده الدنيا، على رغم محاولات الإعلام الحكومي والصفحات الرسمية التابعة للمجالس المحلّية، توليد أجزاء من الحماسة، عبر نشر المعلومات حول قانونَي الانتخابات والإدارة المحلّية، وإقامة بعض الندوات على الشاشة الحكومية. لكنّ الجزء الأهمّ في هذه العملية، والمتمثّل في الحملات الانتخابية التي عادةً ما يتمّ الترويج خلالها للبرامج والمشاريع، ظلّ على مدار شهر ونصف شهر غائباً، باستثناء محاولات خجولة مِن قِبَل عدد من منظّمات المجتمع المدني خلْق حالة تفاعل عبر نشاطاتها التحفيزية، في حين غابت أيضاً الفعاليات الهادفة إلى تعريف الجمهور بأشخاص المرشّحين، وهو ما لا يحدث حتى في الدول التي لا تحوز فيها البرامج أيّ أهمية. أمّا على مواقع التواصل الاجتماعي، فيبدو المشهد مختلفاً، وإنْ نسبياً؛ حيث تنتشر عشرات إعلانات الترشّح التي تخصّ بمعظمها مستقلّين نشروا صوراً شخصية مرفقة بعبارة «انتخبوا مرشّحكم أو مرشّحتكم…»، فيما زاد بعضهم إلى الصور بيانات انتخابية بدا جزءٌ منها محدّداً ومتخصِّصاً بالمحلّيات، فيما كان الآخر فضفاضاً وأكثر تناسُباً مع انتخابات مجلس الشعب أو الرئاسة.
وانسحب الحال نفسه على الأحزاب السياسية التي أعلنت مشاركتها في الاستحقاق، وشجّعت الناس على التفاعل معه؛ إذ لم تطلق أيّ حملات على الأرض، كما لم تعلن قوائمها، بما يشمل أحزاب «الجبهة الوطنية التقدّمية» الحاكمة، أو الأحزاب المرخّصة الأخرى. وبالنسبة إلى «حزب البعث» تحديداً، فقد استغرق وقتاً طويلاً في إجراءاته الداخلية التي يسمّيها «الاستئناس الحزبي»، والتي «استأنس» من خلالها بآراء أعضاء الحزب، لتقوم قيادته في النهاية باختيار قوائم «الوحدة الوطنية» التي تضمّ مرشّحيه، إلى جانب مرشّحي «الجبهة التقدّمية»، شريكة «البعث» في الحُكم منذ السبعينيات، والتي أُعلنت أوّل من أمس، وبدا لافتاً أن حصّة «البعث» منها لم تقلّ عن 80%، فيما حصّة حلفائه لم تتجاوز 6%.
وبرّر مسؤولو الأحزاب المرخَّصة والمرشّحون المستقلّون، لدى تَواصل «الأخبار» معهم، إحجامهم عن إطلاق حملاتهم الانتخابية منذ إصدار الرئيس بشار الأسد مرسوم إجراء الانتخابات أوائل آب الماضي، بأنهم كانوا ينتظرون إعلان قوائم «البعث» حتى يعرفوا عدد المقاعد التي سيتركها فارغة على مستوى كلّ دائرة انتخابية، ومن ثمّ يتمّ اتّخاذ القرار بالاستمرار في الترشّح من عدمه، أو بتحديد عدد المرشّحين المستمرّين وعدد المنسحبين. وهكذا، بدت هذه الأحزاب والشخصيات وكأنّها ضبطت ساعتها على ساعة الحزب الحاكم، في ما يجلّي حالة من التسليم المسبق بفوز قوائمه كاملة، وانحصار التنافس بالمقاعد التي لم يترشّح لها. لكن هذا لا ينفي وجود بعض الاستثناءات، حيث حاولت بعض الأحزاب الدخول بقائمة كاملة في مواجهة «قائمة الوحدة الوطنية»، وهو ما حدث مثلاً في انتخابات 2018 من دون أن ينجح المُنافسون في محاولتهم، بينما علمت «الأخبار» أنه جرى أخيراً الإعداد لقوائم محدودة لمواجهة «البعث»، وأبرزها في طرطوس. وعادة ما يتمّ وضع قوائم «الوحدة الوطنية» على أساس شغْل ما لا يقلّ عن 70% من المقاعد في كلّ دائرة انتخابية، ليتنافس المرشّحون الآخرون جميعهم على المقاعد المتبقّية – الأمر الذي لا يبدو أنه تَبدّل في القوائم المعلَنة حديثاً -، فيما في حالات استثنائية على مستوى الأرياف وخارج المدن الكبرى والرئيسة، يمكن أن يُسجَّل خرق لتحالف السلطة بمقعد أو اثنين.
على هذا النحو، وبعدما كان الأمل بأن يشكّل استحقاق أيلول فرصة لتحسين واقع البلاد، عبر إيصال قيادات محلّية تحظى بتأييد شعبي، من أجل تعزيز التشاركية والنهوض بالمجتمعات المحلّية، لم تُعِر الحكومة آذاناً صاغية إلى الدعوة إلى تأجيل الانتخابات بهدف إتاحة مجال أكبر للإعداد لها، بما يضمن تصحيح أخطاء انتخابات 2018، وإصلاح تمثيل المواطنين في دوائرهم الانتخابية. إلّا أن ما جرى إلى الآن ينبئ بأن الأخطاء نفسها ستتكرّر، مع ما تَبِعها من مشكلات على صعيد الإدارات المحلّية، في بلد لم يخرج بعد من حرب طاحنة انطلقت بعض شراراتها الأولى من تلك الإدارات بالذات.
الأخبار اللبنانية