هذا ما حدث مع بيدرسون في دمشق
حطّ المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، رحاله في دمشق ضمن مساعيه الرامية لإعادة إحياء مسار «اللجنة الدستورية» المجمّد، مستفيداً من المبادرة العربية التي ذلّلت بعض العقبات أمام عودة هذا المسار، بما فيها نقل مقر اللقاءات من جنيف إلى مسقط، وتعديل منتظر على مسار «أستانا» الذي وضع بذوراً للتقارب بين دمشق وأنقرة لا تزال تبحث عن أرض خصبة لنموّها في ظل استمرار المراوغة التركية، وصلابة موقف دمشق التي ترفض أي انخراط واسع في العلاقات في ظل وجود قوات تركية على الأراضي السورية.
المبعوث الأممي الذي لم يتمكن على مدار العام الماضي من تحقيق أي تقدّم في الحلّ السياسي، التقى خلال زيارته دمشق وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين من البعثات الدبلوماسية، وأشار خلال تصريحات صحافية على عجالة عقب اللقاءات إلى تفاؤله في إمكانية تحديد موعد مؤكّد لعقد الاجتماعات، علماً أن المبادرة العربية ولجنة الاتصال الخاصة بسوريا ذكرتا في بيان لهما أنه «تم التوافق على اعتماد مسقط مقراً لعقدها، على أن تُعقد قبل نهاية العام الحالي».
اقرأ أيضا:بيدرسون يبكي على السوريين الوضع الاقتصاديصعب جداً
المقداد الذي التقى المبعوث الأممي بعد سلسلة لقاءات أجراها مع مسؤولين عرب خلال مشاركته في اجتماعات مجلس الجامعة العربية في القاهرة، شدّد خلال اللقاء على «ضرورة خروج القوات غير الشرعية من سوريا»، مشيراً إلى «التحديات الأساسية التي تواجهها سوريا والمتمثّلة بالآثار الكارثية التي خلّفها الإرهاب، والإجراءات القسرية الأحادية الجانب اللاشرعية على الوضع الإنساني والاقتصادي في سوريا وعلى حياة السوريين، وخاصة بعد الزلزال».
بيدرسن الذي ينطلق من دمشق لإجراء لقاءات مع مسؤولي دول مسار «أستانا» (روسيا وتركيا وإيران)، بهدف استثمار مساري اللجنة العربية و«أستانا»، رأى في تصريحاته أن «ثمة تغييرات كبيرة تشهدها الساحة السورية هذه الفترة، سواء الانفتاح العربي وعودة دمشق إلى ممارسة دورها الطبيعي في محيطها العربي، أو حتى المحاولات الروسية – الإيرانية لتقريب وجهات النظر»، الأمر الذي يعوّل عليه بشكل واضح في إنقاذ مهمته كمبعوث أممي، علماً أن تغييرات عديدة من المنتظر إحداثها في آلية عمل «اللجنة الدستورية» التي فشلت في ثماني جولات سابقة في تحقيق أي تقدم حقيقي في الحل السوري، حيث من المفترض أن تشهد التغييرات إطالة لمدة عقد الاجتماعات، وتحديد محاور تتم مناقشتها والانتهاء منها قبل الانتقال إلى محاور جديدة، حيث تسبّبت الآلية الماضية وما احتوته من مناقشة جملة كبيرة من المحاور خلال وقت قصير، في تحوّل الاجتماعات إلى ساحة للاستعراض السياسي، الأمر الذي أدّى إلى فشلها في تحقيق أي تقدم.
اقرأ أيضا:ولادة جديدة لـ«هيئة التفاوض»: نحو حوار (غير) مشروط مع دمشق
وبالإضافة إلى إعادة إحياء مسار «الدستورية»، تتضمن المبادرة العربية نقاطاً عديدة من بينها تسهيل الطريق أمام عودة اللاجئين السوريين، الأمر الذي يتطلّب عمليات تأهيل وصيانة للبنى التحتية في المناطق التي خرجوا منها، وهي عمليات من المفترض أن تتم في سياق مشاريع «التعافي المبكر» بإشراف ودعم أممييْن، غير أن جملة من الشروط السياسية حالت دون المضي قدماً فيها، وهي نقطة انتقدها المقداد مراراً، مؤكداً في كلمته خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية الـ 160 أن الولايات المتحدة الأميركية تحاول عرقلة أي حل للقضية السورية، وموضحاً أن الاجتماع الأول للجنة الاتصال العربي الذي استضافته القاهرة منتصف الشهر الماضي، كان فرصة لعرض الإجراءات والتسهيلات التي اتخذتها سوريا خلال الفترة الماضية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع مواطنيها دون تمييز، ولتسهيل عودة السوريين الراغبين إلى بلدهم، ومناسبة لاستعراض الصعوبات التي تعرقل عودتهم نتيجة للإرهاب وللحصار الاقتصادي – الغربي، مشدّداً على الدور السلبي للدول الغربية التي اعتبر تدخلها «وقحاً لمنع أي تقارب عربي».
وبالتزامن مع التحضيرات الجارية لإعادة إحياء مسار «الدستورية»، يخوض «الائتلاف المعارض» محاولة لإنقاذ نفسه بعد أن دخل في نفق مظلم على وقع تنشيط دور «الحكومة المؤقتة» المنبثقة عنه بدعم تركي، إلى جانب «هيئة التفاوض» التي تمثل المعارضة في مسار الحل الأممي، بالإضافة إلى تعثره المالي المستمر نتيجة ضغط أنقرة، الداعم الأبرز له، ما أدى إلى تأجيل انتخاب رئيس جديد له خلفاً لسالم المسلط، وسط خلافات داخلية متفاقمة في أروقة المعارضة في ظل التبعية المتفاوتة لأعضاء الائتلاف لدول مختلفة. ولتلافي حالة التهميش المتزايد التي يتعرّض لها الائتلاف، ثمة طرح تركي يجري تداوله لإمكانية تعيين هادي البحرة، على اعتبار أنه توافقي بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية من جهة، ولكنه خاض في اللقاءات السياسية ضمن مسار «الدستورية»، علماً أن النظام الداخلي للائتلاف يقضي باختيار رئيسه عن طريق الانتخاب، لكنّ الآلية التي تم اتّباعها طيلة السنوات الماضية حوّلت الانتخاب إلى ما يشابه التعيين.
مصادر معارضة تحدّثت إلى «الأخبار»، أن حظوظ البحرة تبدو أكبر بعد رفض أنقرة اقتراحاً قدّمه المسلط لتمديد ولايته، حيث تسعى كل من أنقرة وواشنطن إلى إعادة تأهيل «الائتلاف» وتقريبه من هيئة التفاوض لتتسنّى للمعارضة المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واستثماره لتقوية موقف المعارضة في المحافل الدولية، حيث من المتوقّع أن تجري انتخابات الائتلاف الشكلية خلال الأسبوع الحالي، الأمر الذي تراه تركيا ضرورياً في المرحلة الحالية استعداداً للمرحلة المقبلة بما فيها عودة مسار «الدستورية» إلى الحياة.
الأخبار اللبنانية
صفحة الفيس بوك:https://www.facebook.com/narampress/