الحكومة السورية تضحي باﻷمن الغذائي
وصف تقرير لـ”صحيفة قاسيون” المحلية، ملف التصدير، بـ”حمى التصدير المدعوم”، كاشفا في سردٍ طويل وباﻷرقام، ما أسماه “مزيد من التشوه على حساب المنتجين والمستهلكين والخزينة”.
ويأتي فتح ملف “التصدير”، على خلفية إعلان نشر بتاريخ 26/4/2023 حول” إطلاق وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ممثلة بهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، برنامج دعم شحن المنتجات الزراعية والصناعية سورية المنشأ المصدّرة إلى روسيا بطريقة الشحن البحري”.
يذكر أن الحكومة فسرت تركيزها على التصدير باعتباره “من الموارد الأساسية للقطع الأجنبي، ومن الطبيعي أن يتم السعي لزيادة هذه الموارد من خلال حل مشكلاته وصعوباته، وخاصة على مستوى تقليص فاتورته، لتخفيض الكلف على المنتجين والمصدرين، وللحفاظ على أسواق التصدير، وفتح أسواق تصديرية جديدة، مع الدعم المطلوب لإنجاز هذه المهمة”.
وبحسب الإعلان الرسمي أعلاه ‘يأتي إطلاق البرنامج بناء على موافقة رئيس مجلس الوزراء على توصية اللجنة الاقتصادية، وحرصا من وزارة الاقتصاد على تسويق الفائض من المنتجات السورية، ورفد الخزينة بالقطع الأجنبي، وسعيا منها إلى فتح أسواق جديدة بهدف زيادة الصادرات، حيث يهدف البرنامج إلى دعم شحن كل المنتجات الزراعية والصناعية السورية المصدرة إلى روسيا بنسبة 30%، بالليرات السورية من قيمة أجور الشحن التي بلغت 6000 دولار من أجور الشحن للحاوية أو السيارة الواحدة، حسب معدل التحويل المدون ضمن البيان الجمركي للبضاعة المصدرة، وذلك لمدة ستة أشهر خلال الفترة من الـ 1 من نيسان ولغاية الـ 3 من أيلول2023″.
ووفقا لصحيفة “قاسيون” المحلية، فإن نظرة أولية لمضمون البرنامج أعلاه تبين وكأن نتائجه وغايته محصورة بالدعم المتمثل بنسبة 30% من قيمة أجور الشحن لمصلحة المصدرين، والتي تعتبر مكلفة، وبالتالي فإن تحمل جزء من تكاليفها من قبل الحكومة إيجابي ويشجع على عمليات التصدير.
وأضاف التقرير معقبا “لكن بالعمق يتضح التشوه في السياسات الحكومية، ولمصلحة من يتم تجيير هذا التشوه؟!”.
وأشار التقرير إلى أن سياسات دعم الصادرات المطبقة ليست مستجدة، وهي تسير على قدم وساق، ويتم وضع برامج مخصصة لها تباعا، لكن بشكل مشوه، سواء فيما يتعلق بالإنتاج والتصنيع الموجه للتصدير، أو على مستوى تخفيض فاتورة الاستيراد، والأهم بتأثيرها السلبي على حاجات الاستهلاك المحلي، وبالتالي على أسعار السلع والمواد في الأسواق المحلية.
وقالت قاسيون إن ما يجري عمليا أن سياسات دعم الصادرات تسير بالتوازي مع سياسات تخفيض الدعم على الإنتاج (الزراعي والصناعي) الساعية نحو إضعافه وتقويضه (عام أو خاص).
وأضاف التقرير “برغم كل برامج إحلال المستوردات الخلبية المعلن عنها، ما يعني مزيدا من العجز في الميزان التجاري!”.
ولفت التقرير إلى أن المستفيد مما يجري عموما هم “المصدرون” وقالت الصحيفة “إن السياسات النقدية المتبعة تكرس انحيازها لمصلحة أصحاب الأرباح، مستكملة دورها مع بقية السياسات بهذا الإطار؛ فجملة السياسات الليبرالية المطبقة، والآليات التنفيذية لها، تضمن مصالح كبار أصحاب الأرباح فقط لا غير (مستوردين ومصدرين)، وبما يحقق المزيد من الأرباح لجيوبهم على شكل دعم مباشر وغير مباشر، على حساب الإنتاج وعلى حساب مصلحة المستهلكين والاقتصاد الوطني”.
ووفقا للصحيفة فإن “المُصدر سيستفيد بمبلغ 1800 دولار كدعم نقدي مباشر عن كل حاوية أو شاحنة، وبالليرة السورية فإن هذا المبلغ يتجاوز 13 مليون ليرة بحسب سعر الصرف الرسمي حاليا”.
واعتبر التقرير أن عبارة “تسويق الفائض من المنتجات السورية” تعتبر فضفاضة، ولا تراعي حاجات الاستهلاك المحلي منها عند التنفيذ غالبا، والأمثلة التصديرية السابقة خير دليل على ذلك، وبالتالي من غير المستغرب تجريف الأسواق من كل ما هو قابل للتصدير من السلع، المنتجة محليا أو المستوردة.
وتعتقد قاسيون في تقريرها أن “المستهلك المحلي سيتحمل سلبيات قلة العرض وندرة المواد على شكل زيادة في الأسعار عليها، فآليات العرض والطلب متحكم بها من قبل أصحاب الأرباح ولمصلحتهم”.
وأضافت “قلة العرض والندرة وارتفاع السعر، ستكون مبرراً لفتح باب استيراد لبعض السلع والمواد لاحقا، وبما يضمن مصالح أصحاب الأرباح من المستوردين أيضاً، وهو أمر سبق أن تكرر لمرات عديدة وبفجاجة!”.
وأشار التقرير إلى أن البوابة المفتوحة أعلاه باسم “دعم الصادرات”، قد تفتح معها بوابات النهب والفساد للحصول على هذا الدعم وزيادته، من خلال زيادة عدد الحاويات اسميا، أو التصدير الوهمي، وغيرها من الطرق الملتوية.
ويعرج التقرير على تصريحات رسمية، حيث لفت إلى ما كشف عنه رئيس لجنة الاستيراد والتصدير في اتحاد غرف التجارة السورية، فهد درويش، لصحيفة الوطن بتاريخ 17/4/2023 أن “قيمة الصادرات السورية خلال الربع الأول من العام الحالي، بلغت ما يقرب من ربع مليار دولار أمريكي، وذكر أن المادة الأكثر تصديراً التي احتلت المركز الأول خلال الفترة المشار إليها، كانت الثروات الطبيعية التي تقوم المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية بتصديرها، وجاءت الخضروات في المركز الثاني من حيث حجم القيمة التصديرية، ومن ثم حلت الفاكهة في المركز الثالث، وحلت المنتجات الغذائية المشهود لها عالميا بجودتها وبأنواعها المختلفة (أجبان وألبان، ومنتجات الكونسروة المختلفة وغيرها الكثير)، في المركز الرابع، ومن ثم حلت البهارات والتوابل مثل الكزبرة واليانسون والكمون وغيرها من البهارات في المركز الخامس”.
واستند التقرير إلى تلك التصريحات للتأكيد على أن الخضار والفواكه استحوذت على نسبة كبيرة من حجم القيمة التصديرية، على حساب الاحتياجات المحلية منها وما نالها من ارتفاعات سعرية بسبب قلة العرض، وهو ما شهدناه في الأسواق كدليل على ما سبق أعلاه.
وسألت الصحيفة في تقريرها “إذا كانت نتائج الربع الأول بهذا الشكل، فإلى أين ستؤول الأوضاع مع الدعم التصديري المستجد أعلاه خلال الربعين التاليين؟!”.
كما استند التقرير إلى “بعض بيانات البنك الدولي” الواردة على موقعه بما يخص سورية، ليؤكد أن؛ “تلك البيانات تبين بداية حجم التراجع الكبير في إجمالي الناتج المحلي، خلال عقد من الزمان، كما تبين حجم التشوه فيما بين الصادرات المتراجعة الواردات المتزايدة خلال نفس الفترة، وبالتالي واقع التشوه الكبير في الميزان التجاري، وفي جملة السياسات الاقتصادية المعمول بها منذ عقود!”.
والبيانات التي استند إليها تقرير صحيفة “قاسيون” كان كالتالي، إجمالي الناتج المحلي في عام 2011 كان 35,30 مليار دولار، ووصل في عام 2020 إلى 15,10 مليار دولار.
شكلت إيرادات الموارد النفطية نسبة 18,70% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2011، وقد تراجعت في عام 2019 إلى نسبة 2,60%.
شكلت صادرات السلع والخدمات نسبة 19,40% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2011، فيما تراجعت إلى نسبة 14,80% في عام 2020.
شكلت واردات السلع والخدمات نسبة 31,30% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2011، وقد ارتفعت حتى عام 2020 وأصبحت النسبة 33,60%!
واعتبر التقريرالمحلي أن السياسات الحكومية بمثابة “تضحية بالأمن الغذائي”، وإنها لن تؤدي إلى المزيد من التشوه والتضخم والارتفاعات السعرية والإفقار فقط، بل إلى انعدام القدرة على تلبية احتياجات الاستهلاك المحلي من السلع المنتجة محلياً، وخاصة الغذائية، وصولاً إلى الجوع والتضحية بالأمن الغذائي.