الشمال السوري على عتبة الانفجار … تركيا تسعى لتشكيل مرجعية موحّدة للمسلحين
يعيش الشمال السوري مرحلة جديدة من الصراع الفصائلي على خلفية محاولة تركية جديدة لإنهاء حالة التشرذم القائمة، وخلق بيئة مؤسساتية مضمونة التبعية، تسمح لها بالمضي قدماً في سياستها الانفتاحية على دمشق، والتي تهدف بشكل أساسي إلى التخلص من عبء اللاجئين السوريين الذين فشلت كل الخطط السابقة لاحتوائهم، وإعادة فتح الطرق الدولية أمام الحركة التجارية مع دول الخليج.
الشمال السوري على عتبة الانفجار
والأزمة الأخيرة التي ظهرت ملامحها مع محاولة أنقرة فتح معبر «أبو الزندين» التجاري والإنساني بين مواقع سيطرة الفصائل في ريف حلب ومناطق سيطرة الحكومة السورية – قبل أن يتعثّر فتحه إثر رفض ذلك من قبل بعض الفصائل التي جيّشت الرأي العام، وقامت بمهاجمة مكاتب إدارة المعبر -، تطورت بشكل سريع إلى استنفار ومواجهات مباشرة بين الجماعات المسلحة.
وجاء هذا في وقت بدأت فيه تركيا خطوات لحل الفصائل، وتشكيل مرجعية موحّدة للمسلحين شبيهة بالجيش النظامي، تتبع لـ«الحكومة المؤقتة»، الأمر الذي قوبل بتصعيد ميداني كبير. وطاولت أولى تلك الخطوات «لواء صقور الشمال»، الذي استفاد بدوره من الاصطفافات الجديدة للمعارضة بين معسكرين واضحَي المعالم؛ الأول تقوده «الحكومة المؤقتة» ويضم فصائل شديدة الولاء لتركيا (القوة المشتركة: فرقتا «الحمزة» و«السلطان شاه»)، والثاني يقوده «الائتلاف» المعارض، بمؤازرة من «الجبهة الشامية»، التي أعلن «صقور الشمال» انضمامه إليها بعد صدور قرار بحلّه.
تمرد «صقور الشمال»
ويكشف التوتر الميداني المتواصل عن أزمة كبيرة تواجهها تركيا، التي وجدت نفسها أمام حالة عصيان مباشرة من فصائل كانت – حتى وقت قريب – أشبه بعصا تلوّح بها بين وقت وآخر في وجه الأكراد، في الشمال الشرقي من سوريا.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سورية معارضة، في حديثها إلى «الأخبار»، إن «الجبهة الشامية» رأت في تمرد «صقور الشمال» فرصة لزيادة حجم قواتها، في ظل امتلاك الفصيل نحو 2500 مقاتل، الأمر الذي يضمن حصة وازنة في «الكعكة» التركية. وتشير المصادر إلى أن «الشامية» أبلغت الجانب التركي استعدادها لإنهاء التوتر الحاصل بشرطين اثنين: الأول هو وقف عملية حل الفصائل الجارية، والثاني هو توليها الإشراف على «أبو الزندين»، الذي يُنظر إليه على أنه «منجم ذهب»، لما يوفره من عوائد كبيرة، وهو ما ترفضه «القوة المشتركة» التي ترغب بدورها في تحصيل ما يمكن تحصيله من أرباح المعبر، الذي يمثّل خطراً على معابر التهريب القائمة، والتي تعتمد عليها الفصائل في زيادة ثروتها.
وجدت تركيا نفسها أمام حالة عصيان مباشرة من فصائل كانت أشبه بعصا تلوّح بها في وجه الأكراد
عملية «مأسسة الفصائل»
وأمام المشهد الحالي، تجد تركيا نفسها أمام خيارَين؛ إما الانحياز إلى «القوة المشتركة» و«الحكومة المؤقتة» والمضي قدماً في عملية «مأسسة الفصائل»، أو إيجاد صيغة توافقية تبقي على الحالة الفصائلية القائمة وتضمن لكل فصيل حصته، ما يعني في كلتا الحالتين استمرار الصراع الفصائلي. ومع ذلك، ربما تفضّل أنقرة الخيار الثاني، بالنظر إلى أن نتيجة الأول ليست مضمونة، فضلاً عن كلفته المرتفعة لما قد يتسبب به من خلق موجة لجوء جديدة نحو تركيا أو قرب حدودها المزدحمة.
وإلى جانب ما تقدّم، ثمة عامل آخر تشير المصادر إلى أهمية النظر إليه وعدم إهماله، يتعلق برغبة «هيئة تحرير الشام» في قضم ريف حلب الشمالي، الأمر الذي من شأن حدوثه أن يؤدي إلى أزمة كبيرة بالنسبة إلى تركيا التي تحاول تقديم فصائل ريف حلب على أنها معتدلة وقابلة للجلوس على طاولة المفاوضات، ومعاملة ملف إدلب التي تسيطر عليها «الهيئة» معاملة خاصة، وفقاً لاتفاقات منتظرة مع الجانب السوري، كنتيجة للوساطة الروسية – الإيرانية – العراقية للتطبيع بين دمشق وأنقرة.
أنقرة تبحث عن حل مشكلة اللاجئين
وفي هذا الإطار، أكّدت الأخيرة تمسّكها بتلك الوساطة، وذلك خلال لقاء أجراه وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، مع وفد أميركي برئاسة جون باس، ضمّ السفير الأميركي السابق في تركيا وأحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، وناقش باستفاضة الملف السوري.
وأكّد فيدان أن بلاده تتواصل مع سوريا على المستويين العسكري والاستخباراتي، عبر منصات مشتركة مع إيران وروسيا، وذلك لإنجاز خطوات مهمة في ما يخص التطبيع بين دمشق وأنقرة. كما أكّد أن بلاده تريد حل المشكلات العالقة مع سوريا، وبشكل خاص قضية اللاجئين.
الأخبار
صفحة الفيس بوك:https://www.facebook.com/narampress