عرب وغربمن هنا وهناك

مهازل السياسات الأميركية بلسان أصحابها … إضاءة على كتاب “القاعة التي شهدت الوقائع”

الضجة التي رافقت صدور كتاب مستشار الامن القومي السابق جون بولتون في كتابه  ” القاعة التي شهدت الوقائع”، لا يجب أن ينظر إليها على انها مؤثرة فقط على الناخب الأميركي والتي تبدو في ظاهرها موجهة ضد تصرفات ترامب فحسب. فمن اطلع على ما تم سرده في الكتاب يمكنه الاستنتاج بأن السياسة الأميركية الدولية هي سياسة مافيوية وسياسة أقرب إلى قطاعي الطرق والتشبيح والابتزاز والسمسرة الدولية منه إلى أية مفاهيم ومفردات اعتاد كثير من غير الأميركان على ترديدها بوصفهم للسياسة الأمريكية بأنها سياسة داعمة لحقوق الإنسان وتطبيق القيم الديمقراطية.   سنلقي الضوء على بعض الأمور التي تطرق إليها الكتاب وسنترك إليكم الحكم عما يمكن أن يقال عن هكذا ممارسات.

ذكر الكتاب صراحة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي هدد عدة مرات بسحب قواته من سوريا كان يريد من الدول العربية أن تدفع مصاريف بقاء القوات في سوريا، ولم يكتف بهذا بل طلب مبلغ 25% إضافية ثم رفعها إلى 50 %، حيث ذكر الكتاب أن مستشار الامن القومي ناقش ذلك صراحة مع مسؤولين من دول مثل قطر والإمارات ومصر (طبعا ليس المطلوب من مصر أن تدفع).  .  بغض النظر عن جدوى بقاء أم عدم بقاء القوات الأمريكية في أي بقعة من هذا العالم، أن يظهر للعامة ومن داخل الإدارة الأميركية تسريبات بهذا الشكل لهو بدون شك سابقة يجب التوقف عندها والتمعن فيها. صحيح أن جون بولتون لم يذكر كثيراً من التفاصيل المتعلقة بمواقف الدول العربية من كثير من الأمور وهذا ما يثير الاستغراب او على الأقل يبدو أن الإشارة إلى تفاصيل معينة قد تؤثر كثيراً على الدول العربية نفسها التي  أحرجها ترامب كثيراً في مرات سابقة (- يبدو أن المبلغ المضاف على التكلفة هي عمولة نأمل أن يكون من قصدهم من العرب برؤوا زممهم المالية ودفعوا مستحقاتهم وواجباتهم-).

تطرق الكتاب أيضاً إلى تعامل الإدارة الأميركية مع موضوع مقتل الصحفي السعودي “الخاشقجي” لدى مراجعته للسفارة السعودية في إسطنبول، إذ أن ما تضمنه الكتاب يشير إلى أن أولويات المصلحة المادية والصفقات هي التي فرضت نفسها، وأن كل ما تتشدق به الإدارة الأميركية بخصوص حقوق الإنسان واحترام سيادة الشعوب لا قيمة له امام المصالح  والصفقات الاقتصادية. تصوروا أن الرئيس الأميركي بحسب الكتاب قال صراحة أنه ” سيقف مع السعودية سواء ثبت تورط ولي العهد السعودي أم لا”.

في موضوع أردوغان (الذي وصفه بولتون بلورنس العرب) ومصالح المقايضة التي تضمنها الكتاب بخصوص غض الطرف عن تصرفات ابن أردوغان المتهم بمخالفة العقوبات الأميركية على إيران عن طريق بنك خلق العائد لابنه. إذ يذكر الكتاب بشكل جلي كيف أن أردوغان سلم ترامب ملفاً كاملاً باليد يفيد بأن البنك بريء من التهم وان ترامب بدون ان يقرأه وبلمح البصر قال لأردوغان أنه متأكد من براءة البنك من التهم الموجهة له من وزارتي  العدل والمالية الأميركيتين، لدرجة أن ترامب – حسب بولتون – قال ما حرفيته “”لا أريد أن يحدث مكروه لتركيا أو لأردوغان”. ولكن الكتاب لم يذكر ما إن كان السيد ترامب قد حصل على أي شيء مقابل ذلك، قد تكون خفايا هذا التصريح بعيدة عن مدارك بولتون (نعتقد حتى وإن كان ثمة من شيء يعرفه بولتون بهذا الخصوص أكثر من ذلك فلن يجرؤ على ذكره لأنه سيجر عليه تبعات قد لا تحمد عقباها).

كما ذكر الكتاب قضايا أخرى متعلقة بخفايا الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والمفاوضات مع الصين وكوريا الشمالية وطالبان والعلاقات مع روسيا وفنزويلا إضافة إلى الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي وكل ما تضمن يفيد بأن هناك حالة غريبة في التعامل وهي أقرب إلى المراهقة السياسية منها إلى الاستراتيجية الواضحة. إليكم بعض العبارات الغريبة التي وردت في الكتاب على لسان ترامب كما نقلها بولتون:

  • الاتحاد الأوروبي ليس أفضل من الصين، إنه فقط أصغر منها.
  • أنا لا أكترث إن عاد داعش إلى العراق.
  • قد يكون اجتماعي بوتين أكثرهم سهولة من الاجتماع مع قادة حلف شمال الأطلسي.
  • قل للروس أننا سنفعل ما يريدون (بخصوص القمة بين بوتين وترامب).
  • الصحفيون ينبغي إعدامهم؛ فهم مجرد حثالة.
  • يجب على وزارة العدل اعتقال هؤلاء الصحافيين، وتجبرهم على الكشف عن مصادر معلوماتهم، وفي هذه الحالة يمكن أن تتوقف التسريبات لأولئك الصحفيين.

 

الكتاب طويل ويتضمن تفاصيل قد ينتاب القارئ فيا بعد التململ ويحس بالتكرار باعتبار أن الكتاب يركز على وصف تصرفات الرئيس الأميركي على أنه رجل يفتقد للحكمة ويحكمه سرعة التصرف وردة الفعل المتسرعة. كما يمكن لأي قاريء أن يلحظ بأن كثيرر مما تضمنه الكتاب لا يعطي حاكم الولايات المتحدة الاميركية أي ميزة عن أي حاكم موصوف لدى الإدارة الاميركية على انه ديكتاتور.

الكتاب بمجمله هو نافذة على بعض ما يحدث في كواليس العلاقات بين الدول والتي لا تختلف عن أي صفقات مشبوهة بين أناس لا تهمهم إلا مصالحهم الضيقة و لا يحركهم إلا نسبة الربح التي قد يحصلون عليها من هذه الصفقة أو ذات ولو كانت على حساب ضرر أقرب الناس إليهم. إن ما ذكره بولتون ليس إلا شيء يسير عما يدور في المطبخ العالمي من وجهة نظره التي يبدو أنها تتماشى مع العقلية السائدة في ضرورة ترويع من يشذ على السياسة الأميركية التي يبدو أنها عملية لدرجة أن أي قضية دولية يمكن أن تتحول إلى صفقة رابحة في الحسابات الأميركية، إذ أن ما تضمنه الكتاب من مواقف من كويا الشمالية إلى فنزويلا يشهد بأن الخلاف الأميركي مع أي طرف ليس أكثر من عقود لا تَلقى استحسان الاميركيين.

ما يهمنا في سوريا أن يعي السوريون أن مصالحهم لا تهم أحداً، وأن قضيتهم ومشاكلهم وتطلعاتهم ليست حتى على طاولة النقاش أبداً، ومن يرى أن تطلعات السوريين للعيش الكريم وأحلامهم بالرفاه الاقتصادي والاستقرار المعيشي يمكن أن تتحقق بغير السوريين فليعيد حساباته.

#A2ZSYRIA

Visited 6 times, 1 visit(s) today