من المسؤول عن التحول الآلي للمسؤول الفاسد إلى مستشار
دمشق..
يعتبر لقب المستشار من أهم الصفات التي يمكن أن تطلق على من له باع طويل في اختصاص ما، و أقل ما يمكن أن يقال عن المستشار أنه بارع باختصاصه وملم ودائم الاطلاع وقادر على الإفادة والنصح و أخذ ذمام المبادرة إن اقتضت الضرورة، إضافة إلى مقدرته على توضيح وتبسيط الكثير من القضايا الشائكة التي قد لا تكون جلية لصاحب القرار الذي يستعين بالمستشار للاستئناس برأيه وطلب الإفادة والتصرف بناء على ما قد يشار إليه.
أما في سوريا، فمن ينظر حوله يرى عجباً، فكثير من المستشارين بعيدون كل البعد عن مدلولات التسمية ولا يعدون أكثر من موظفين مرفهين يقتاتون على التعويضات والعطايا والمكافآت التي تتيحها التسمية كقسائم الوقود الشهرية والمساعدات المالية السخية ناهيك عن النفوذ والحضور والعلاقات التي تؤهلهم لتسيير أمورهم الخاصة إن تطلب الأمر ذلك.
يعلم أغلبنا أن العديد من المدراء العامين – الذين يُجمع الكثيرون على فسادهم وفشلهم في أي مهمة رسمية كلفوا فيها- قد عُينوا برتبة مستشار للوزير أو لرئيس الحكومة بعد انتهاء أو استنفاذ فترات تمديدهم في مؤسسات أقل ما يقال عنها أنها شاخت بفعل تصرفاتهم التي لم تكن أبداً في صالح البلد وقراراتهم الغبية التي أثقلت كاهل هذه المؤسسات وسببت بهدر الكثير من المال العام. طبعاً لسنا في وارد التعميم المطلق إلا أن واقع حال البلد يقول بأن الشواهد لأمثال هؤلاء كثيرة ولا تخلو مؤسسة عامة خدمية أو اقتصادية او تعليمية او تربوية أو ثقافية إلا وفيها من أمثالهم العشرات. لقد وصل الحال بالعامة أن بعضهم أصبح ينظر إلى المستشار على أنها مضحكة و يستهتر بالتسمية وكأنها لقب يطلق على الفشلة دون سواهم. يخطر ببالي تساؤل لا أجد له سؤال عما ماذا كانت ستكون تسميته مسؤولينا (بعد انتهاء مهامهم) لو كانوا مبدعين ناجحين يقومون بواجباتهم دون منة ويخدمون المواطن بحرص واهتمام شديدين؟!.
لا شك بأن الخدمات الاستشارية الحقيقية قادرة على تقديم حلول استشرافية لكافة المشاكل المستعصية بطريقة بناءة وعملية وعلمية قوامها الخبرة والفهم والثقة والكفاءة. والسؤال الذي نود طرحه الآن أين من يقدمون أنفسهم على أنهم مستشارون من هذه الأسس، وكلنا يعلم بأن أغلبهم لم يعتمد في مسيرته الوظيفية الإدارية إلا على المحسوبية والولاء على حساب الخبرة والفهم والكفاءة، وهذا ليس بجديد على الكثيرين. لن ننحدر هنا في سطورنا إلى تسمية أشخاص لأن القائمة تطول وقد لا تتسع للجميع، ونشكر الله أننا أينما تلفتنا حولنا نرى أمثال أولئك الذين يصرون على تذكيرنا بأن واقعنا البائس وحالنا التي يرثي لها مستمرة بمباركة هؤلاء، وما نحصده الآن ما هو إلا زرعهم الذي سيحصدونه بمناجلنا ونحن فرحين شاكرين. فنحن معشر الناس من العوام مطلوب منا أن نشكرهم جهاراً نهاراً لأننا بدونهم نحن لا شيء، مع العلم أنهم أكثر من ينظر إلينا أننا لا شيء.
لو كانت الحكمة من تعيين من كُلف بمهام رسمية سيمتها الفشل كمستشار خاص بقصد تجنب آرائه والابتعاد عما يقترحه، كونه مخضرم في القرارات الغريبة التي لا تفيد أحداً لكنا سكتنا وشكرنا الحكومة جهاراً نهاراً على إبداعها، ولكن أن نرى أن من عُين برتبة مستشار- رغم معرفة الكثيرين بفشله – وإصرار من اقترحه على تعيينه لا لشيء إلا ليعمم نهجه القائم على اللف والدوران واللوفكة بقصد الاستفادة من خبرته بهذا المجال وتوفير وقت الجباية فهذا مبرر لا محالة ويسهل استيعابه من قبل الكثيرين. وأستغرب إلى الآن لماذا لم يبادر المعنيون إلى إشهار هيئة خاصة بالمسؤولين السابقين، وافتتاح أندية لهم في المواقع الاستراتيجية المميزة في سوريا من رتبة الخمس نجوم كي لا يملوا، لأنه على ما يبدو ما إن يكثر مللهم حتى يركزوا اهتماماتهم علينا فتزداد حالنا بؤساً ومرارةً.
نحن ندرك أن هناك الكثير من المسؤولين السابقين الذين أبلوا بلاء حسناً وقدموا جهوداً طيبة وقاموا بواجبهم بقدر كبير من الأمانة والإخلاص، وكثير من هؤلاء لا رأي له وقد يكون بعضهم خارج دائرة المزايا التي ذكرناها أعلاه، لأسباب متنوعة منها إصرار بعض القائمين على رأس عملهم على تجاهلهم جراء خلافات أغلبها طابع شخصي وقد يصل إلى درجة التشفي والشماتة.
أما آن الأوان لصحوة ولو بسيطة، يأخذ بعض الأكفاء فيها فرصتهم، وليدلوا بدلوهم إن كانوا يمتلكون القدرة على الإفادة كما يدعي الكثير ممن تم الاستغناء عن خدماتهم فقط لأنهم أدركوا أن العمل الإداري وتسيير شؤون العامة وقضايا الناس لا يتطلب أي شيء سوى القلم الأخضر، وتسيير الأمور لا تتعدى الخربشة على البريد اليومي. لقد وصل الوضع إلى حال أصبح الكثير من المسؤولين غير المؤهلين يستخدمون الحرب و الحصار الظالم علينا شماعة لفشلهم. نعم لقد استهلكتنا الحرب وأجهز علينا الحصار الظالم ولكن لا نستطيع أن ننكر أن وقع هذا كان من الممكن أن يكون أخف وطأة مما هو عليه لو كان الإنسان المناسب في المكان المناسب، ولم يتم الاستهتار برتبة المستشار إلى هذه الحدود التي نراها في محيطنا. نتمنى من أي جهد حقيقي مستقبلي يطمح للارتقاء وتطوير العمل الإداري الحقيقي القائم على الكفاءة والنزاهة وتحمل المسؤولية وخدمة الناس الاستفادة من التجارب السابقة، وأخذ موضوع المستشارين بجدية وعدم تركه للزمن، لأن تداعياته المستقبلية لا يستهان بها.
A2ZSYRIA