ماذا يريد السوريون من رئيس الحكومة القادم؟
لا شك بأن المهام التي تنتظر رئيس الحكومة السورية المقبل لن تكون سهلة، ونعتقد بأن الذي سيكلف برئاسة الحكومة في هذه الفترة لن يكون سعيد الحظ مقارنة بالفترات السابقة والحكومات التي خلت، وذلك نظراً لتردي الوضع المعاشي والخدمي للمواطنين، وتراجع عجلة الاقتصاد ناهيك عن الفساد والمحسوبية وغياب المحاسبة وكثي من المشاكل التي يدركها الناس ويعيشونها يوم بيوم. يضاف إلى كل هذا المشاكل الاقتصادية التي سببتها أزمة الكورونا للاقتصاد العالمي والتي سيكون لها تبعات على بلدنا أيضاً، ومن دون ان يغيب عن أذهاننا تبعات الحرب والحصار وقيصر. كل هذا ليس بجديد على المواطن السوري الذي يدرك كل ما أسلفناه، وربما يضيف عليها، ولا نعتقد بأن هذه الأمور غائبة عن ذهن أي شخص مرشح لرئاسة الحكومة (طبعاً إن كانت غائبة سيخبرونه بها، وسيحفظها عن ظهر قلب وسيعيدها على مسامعنا عشرات المرات).
المهمة ليست بترديد عبارات التضامن وشرح مشاكل البلد للناس ، وتذكير الناس بالحصار والدول التي أساءت إلينا فكل هذا معروف والمطلوب من القادم هو خطاب جديد في التعاطي مع المشاكل ونهج منفتح بناء قائم على أكبر قدر من المشاركة في اتخاذ القرار مما يسهم بتذليل الصعاب. كما أن ترديد الموشح الدائم بأن أمورنا أحسن من غيرنا، و محاولة إقناع الناس بحسياسية المرحلة وإطلاق الشعارات الرنانة وتصوير أي شيء حتى ولو كان بسيطاً على أنه إنجاز تاريخي لن يصلح الحال بين الناس والمسؤول، ولن يصب في مصلحة تحسين العلاقة وبناء الثقة مع المواطن. أهم ما نفتقده إلى الآن الاعتراف بالمشاكل، إذ أن تجاهل ذلك لن يحل أي مشكلة وسيجعل كل الأمور عالقة ومؤجلة. مصارحة الناس مطلوبة اكثر من أي وقت مضى، ومكاشفتهم قد تفتح الباب لمرحلة جديدة من العلاقة بين المسؤول الذي يجب أن يبرهن للناس على أنه في خدمتهم وهو قدوة حسنة في العمل والإنجاز بدون منية، وأن ما يعمله هو واجبه وتلك المسؤولية هي مهمته المنوطة به والأمانة المكلف بها هي خدمة الناس والوقوف على أحوالهم وتأمين احتياجاتهم عن طريق تعزيز مفهوم المواطنة، الامر الذي يعزز العلاقة بين المواطن و المسؤول. لا شك بأن نجاح أي رئيس حكومة جديد لا يمكن ان يستكمل بدون دعم ومساعدة من الناس، لأن الحكومة ممثلة برئيسها وأعضائها من الوزراء يحتاجون إلى دعم وثقة الناس، فالعمل كفريق واحد ضرورة لأي نجاح مرتقب.
لن يكون أبداً من السهل على أي شخص أن يرضي الناس كافة، وهذا شيء طبيعي ولكن أن يجمع الناس على فكرة أن الحكومة مقصرة وعاجزة، فهذا أمر غير مقبول أبداً ولا يجب أن يتكرر في أية حكومة مقبلة. إن وفقنا برئيس حكومة مدرك لمشاكل الناس، سنوفر الكثير من الوقت، إذ أن ذلك سيمكن رئيس الحكومة الجدد من البدء بالعمل مباشرة ويمكن للناس ان تجد النتائج الطيبة أو على الأقل سيلمس الناس محاولات جدية متسارعة من قبل الحكومة لتحسين واقع المؤسسات الخدمية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. لن نحدد الآن الأولويات التي يجب عليه البدء فيها من يومه الأول ولكننا لا نرى أولوية يُعلى عليها في هذه اللحظة تسبق أولوية تحسين الوضع المعاشي المتردي للناس. فالاستماع للناس وإحساسه بوجعهم سيفتح له أبواب التربية و التعليم والإعلام والشؤون الاجتماعية والثقافة والزراعة والصناعة والخدمات الفنية.
نعم هناك الكثير بانتظار رئيس الحكومة الجديد، وثمة تخمة في القضايا العالقة التي تحتاج إلى الحل، الأمر الذي يمكن أن يشجع أي رئيس حكومة مكلف بأن ما سيقوم به سيولد أثر طيب ويترك بصمة أمل في كثير من مواقع العمل ووزارات ومؤسسات الدولة التي تؤرقها المشاكل الإدارية وتنهكها قضايا الفساد والمحسوبية وغياب المحاسبة.
لنكن موضوعيين فنحن لا نقول بأن المكلف الجديد المرتقب سيحمل معه عصا موسى، وسيقلب أحوال الناس بين ليلة وضحاها، فهذا أمر لن يكون قادر على فعله أي إنسان. ولكن بدون شك سيكون رئيس الحكومة القادم قادر على فعل الكثير إن توفرت الإرادة الطيبة والعزيمة الثابتة، وأيقن أن مصلحته الأولى والأخيرة هي أن يكون قريباً إلى الناس والتي بدون شك ستمد يد المساعدة والعون له ولفريقه إن أيقنت بأنه يمثل مصالحها وهمه الأول والأخير مصلحة الناس وتحسين أوضاعهم الحياتية والمعاشية والخدماتية.
برغم الصعوبات التي تحيط بنا، رأينا الناس تتوسم خيراً وتنتظر أملاً، لأن الحياة بدون تفاؤل لا معنى لهما والمستقبل بدون أمل غير جدير بالانتظار. نسأل الله لسوريا الخير، وأن يحظى الناس هذه المرة بحكومة عمليه قادرة على فعل شيء ما يعيد للناس ولو القليل من ثقتهم وأملهم، ويوقف معانتهم التي تأبى إلى الآن أن تقف عند حد. يقيننا بأن سوريا بلد فيها من الكفاءات الكثير، وبأن السوريين كانوا دائماً تواقين للعمل والنجاح، أعز الله سوريا وأبناءها المحبين أينما كانوا، وعلى أملٍ من ثغر طفل باسمٍ نقول ” إن شاء الله القادم أحسن”.